الجرموز

عاد موضوع النازحين السوريين إلى طاولة الزجل السياسي المعهود، حتى بدت الغاية من تعقيده أكثر من واضحة: جعل لبنان جرموزاً لدى النظام الأسدي في مواجهة العالم. والجرموز هو ابن الذئب، وتستخدم التسمية في نظام الكشفية، لتعريف المبتدئ في مجالها، ومهمة من يحملها الاستطلاع، أي استكشاف من وما سيأتي
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
في الذكرى الثامنة لاغتيال القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين، الذي ورد اسمه في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أعطى أمين عام السلاح، كالعادة “توجيهاته” عبر الشاشة: “يجب التواصل مع الحكومة السورية بشكل رسمي من قبل الحكومة اللبنانية لفتح الأبواب أمام عودة النازحين. ويجب مساعدة سوريا على تهيئة الوضع أمام عودة النازحين، وأولى خطوات المساعدة هي إزالة العقوبات عنها، وإذا كان مجلس النواب حقاً يريد إعادة النازحين فعليه مطالبة الولايات المتحدة بإلغاء قانون “قيصر” ومطالبة أوروبا بإلغاء العقوبات. فلنفتح البحر أمام النازحين السوريين بإرادتهم. وعندما يتّخذ قرار كهذا، كل الغرب، وكل الأوروبيين، سيأتون إلى لبنان ويدفعون بدل المليار 20 ملياراً”.
لم تسعف الخطيبَ ذاكرته، وغاب عن باله، ربما، أن وفوداً لبنانية وزارية، ونيابية، وأمنية، زارت دمشق أكثر من مرة، وتباحثت مع مسؤوليها في عودة النازحين السوريين، طوعاً واختياراً، ومن معالم ذلك أن نفّذ الأمن العام اللبناني، بالتنسيق مع السلطات السورية خطة شملت بين الأعوام 2017 و 2019 نحو 540 ألف لاجئ، لكن العمل بهذه الخطة توقف مع تفشي جائحة كورونا، وحين تخلص العالم من هذا الوباء، عاد الموضوع إلى طاولة الزجل السياسي المعهود، حتى بدت الغاية من تعقيده أكثر من واضحة: جعل لبنان جرموزاً لدى النظام الأسدي في مواجهة العالم. والجرموز هو ابن الذئب، وتستخدم التسمية في نظام الكشفية، لتعريف المبتدئ في مجالها، ومهمة من يحملها الاستطلاع، أي استكشاف من وما سيأتي.
لم يوارِ “التوجيه” المذكور مقاصده، ومنها:
– التشاور اللبناني المتواصل مع الحكومة السورية.
– الدفاع عن نظام الأسد في المحافل الدولية، وأولى المهمات إزالة العقوبات عنه.
– تكليف مجلس النواب اللبناني بمطالبة الولايات المتحدة بإلغاء قانون «قيصر» ومطالبة أوروبا بإلغاء العقوبات.
– فتح البحر أمام النازحين السوريين لإجبار الغرب، عبر هذا القرار، على دعم لبنان بـ 20 مليار دولار بدل المليار، حسب قوله.
غفل الخطيب عن لفت اهتمامنا إلى خطة النظام لعودة المهجرين، وهل هي موجودة أصلاً، وفاته أن يذكّر سامعيه بمسؤولية هذا النظام عن تهجير السوريين من بلادهم، كما عن الدور الكبير لحزبه في التدمير المنهجي لمناطق بعينها، وتهجير سكان محددين، لكن همّه أبعد من ذلك: استرضاء النظام في دمشق بتقديم لبنان جرموزاً لجسّ نبض الغرب تجاه تبييض صفحة الأسد، وتخويله التحكم بورقة عودة اللاجئين إلى وطنهم، وإلى أي مناطق يفترض أن يعودوا، إضافة إلى مسار المساعدات المالية لإعادة الإعمار.
فاته، كذلك، أنه يُلبِس لبنان، كدولة ووطن، ثوب “شبّيح” يستطيع خرق المحرّمات الدولية، وإخضاع من يريد لتلبية تخيلاته المالية، حتى أنه بسّط الأمور إلى مستوى البداهة المضحكة، فهو يعرف أنّ لبنان قدّم لسوريا 2000 اسم ممن يرغبون في العودة إلى بلادهم، لكن النظام في دمشق لم يقبل سوى 400 منهم. يضاف إلى هذه الواقعة أنّ إشغال اللبنانيين بهذه الأزمة المديدة يستدعي السؤال عن مصير الذين عادوا إلى ديارهم في السنوات السابقة، وهل بقوا فيها أم رجعوا إلى لبنان، وهل من حلّ جدّي لمأساتهم إذا بقيت المعابر الشرعية وغير الشرعية تفتح انتقائياً على وقع مصالح النظام؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() إسرائيل الوالي الجديد | ![]() سجون عناوين | ![]() أعجوبة إلهية |