كيف لهيمنة مسيحية أن تتصدّى لـ”حزب الله”؟


خاص 25 أيار, 2024

لطالما ظهرت أهمية التنوع والاختلاف بين القوى المسيحية باختلاف السياسات والظروف، فيما تشهد الساحة المسيحية اليوم تسطيحاً للمواقف وتصحراً في السياسة يمارسها حزبان سياسيان مسيحيان، يحاول كل من موقعه المعارض للآخر، إسكات أيّ صوت معارض وفرض هيمنته على أيّ شخصية تعبر عن رأي مخالف لسياسته

كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:

لقد مضى على قيام دولة لبنان أكثر من مئة سنة عندما تم إعلان دولة لبنان الكبير من على درج قصر الصنوبر عام ١٩٢٠ من قبل الجنرال الفرنسي غورو بحضور البطريرك الماروني إلياس الحويك الذي سبق ومهد لهذا الإعلان بترؤسه الوفد اللبناني إلى فرساي ليطالب الدولة المنتدبة فرنسا باستقلال لبنان. وقد أكد الحويك يومها في كلمته أنّ “المواطنة هي معيار الانتماء إلى لبنان وليس الطائفة”، ما يعني أنّ المعيار كان مفترضاً أن يكون نبوياً ويعكس نظرة مستقبلية، فأين لبنان اليوم من هذه الرؤية وكيف تعامل المسيحيون مع بناء دولة الاستقلال وأين أصبحوا اليوم؟

لا شكّ أنّ التنوع والتعدد ضمن الشراكة كان الركيزة الأساسية التي قام عليها لبنان، وقد لعب المسيحيون دوراً أساسياً في بناء الدولة ووظفوا علمهم وثقافتهم وانفتاحهم في مختلف المجالات، فكانت المدارس والجامعات، والأطباء والمستشفيات، والكتاب والمثقفون السباقون في مجال الأدب، وفي الدعوة إلى الوحدة العربية، وفي الانفتاح على العرب وعلى الغرب عبر الصحف المتعددة اللغات والدبلوماسية النشطة والخلاقة، وتبنّي القضية الفلسطينية والدفاع عنها في المحافل الدولية. وقد أدى هذا التنوع والتعدد السياسي بين القوى والشخصيات المسيحية، إضافة إلى موقف البطريركية الوطني والعقلاني الذي خطه الحويك، مناخاً من التنافس الديموقراطي والاختلاف في المواقف والسياسات. وانتخب بشارة الخوري رمز الاستقلال أول رئيس للجمهورية بشبه إجماع، وعندما جدد عهده مخالفاً الدستور تعرض لحملة معارضة مسيحية بشكل أساسي دفعته إلى الاستقالة. وكميل شمعون الذي خلف الخوري في الرئاسة، وسجل عهده ازدهاراً عمرانياً واقتصادياً وتحسناً واضحاً بالتمثيل النيابي، شهد معارضة قوية لسياسته الخارجية التي اعتبرت انحيازاً مع حلف بغداد ضدّ سياسة جمال عبد الناصر، عدا عن خلافه مع بكركي.

أما المثال الأهم على التنوع في الساحة المسيحية هو عهد فؤاد شهاب الذي شكّل نموذجاً رئاسياً لإدارة الدولة وبناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، والذي غلب عنصر الكفاءة والاستقامة في الدولة والوظيفة العامة، رغم ذلك شهد معارضة شرسة من قبل شمعون وإدّه وشخصيات أخرى ما عدا بيار الجميل وحزب الكتائب، الذي عاد وشارك في “الحلف الثلاثي” الذي شكله شمعون وإدّه ضد المرشح الشهابي للرئاسة الياس سركيس عام 1970. إلا أنّ شمعون والجميل عادا فانتخباه رئيساً عام 1976. ثم فيما بعد عاد معظم المسيحيين وقواهم السياسية يترحمون على عهد شهاب وعلى الدور الاستقلالي والمتوازن الذي لعبه داخلياً وعربياً، عندما دشن علاقة لبنان كدولة بمصر عبر لقائه عبد الناصر تحت خيمة نصبت خصيصاً على الحدود اللبنانية-السورية بعد أن قامت الوحدة بين مصر وسوريا. وقد كان لكل من القوى السياسية المسيحية المارونية موقف مختلف من السياسة العربية لمصر. وفي عهد شارل حلو طغى الوجود الفلسطيني على السياسة الداخلية وحصل الخلاف الكبير بين القوى المسيحية التي أيد معظمها اتفاق القاهرة الذي وقع بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في 3 تشرين الثاني 1969 فيما عارضه ريمون إدّه وحيداً. فيما ذهب الرئيس سليمان فرنجية إلى الأمم المتحدة عام 1973 ليتكلم باسم العرب مطالباً بالاعتراف بمنظمة التحرير، ثم عاد وانفجر الصراع بين الجيش اللبناني والقوى الفلسطينية في العام نفسه.

كل هذه المحطات تظهر أهمية التنوع والاختلاف بين القوى المسيحية باختلاف السياسات والظروف، فيما تشهد اليوم الساحة المسيحية تسطيحاً للمواقف وتصحراً في السياسة يمارسها حزبان سياسيان مسيحيان، يحاول كل من موقعه المعارض للآخر، إسكات أيّ صوت معارض وفرض هيمنته على أيّ شخصية تعبر عن رأي مخالف لسياسته، ويستعملون أساليب لم تستعمل حتى في عز الهيمنة السياسية لقوى مسيحية على السياسة العامة.

فكيف لها أن تتصدى للدور المهيمن لـ “حزب الله” وتستعيد دور الدولة وسلطتها على كافة الأراضي اللبنانية؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us