فرصة ذهبية ضائعة…هل يستعيد لبنان مجد القطار؟
تعتبر السكك الحديدية استثمارًا طويل الأجل يمكن أن يحقق عوائد كبيرة للاقتصاد الوطني، حيث تشير الدراسات إلى أنّ كلّ قرش يتم استثماره في قطاع النقل يثمر أربعة أضعاف في الناتج الوطني، وإذا أضفنا المنافع الإضافية البيئية والتشغيلية والتنموية التي يضيفها قطاع السكك الحديدية يمكن أن نصل إلى ضعف خامس. فهل نشهد إعادة سكك الحديد التي لم يبق منها سوى عربات صدئة ومحطات قديمة وخطوط حديدية تعلو فوقها الأعشاب؟
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
يضيع لبنان فرصاً اقتصادية وسياحية ذهبية، ومعها دوره المحوري في المنطقة، بسبب إهمال خطوط سكك الحديد. فمحطات القطار، التي كانت يوماً رافعة للاقتصاد ومصدراً للازدهار، أصبحت اليوم مجرد معالم تراثية مترهلة وذكرى تعيش في مخيلة كبار السن. فهل سنشهد إعادة إحياء سكك الحديد في لبنان، التي لم يبق منها سوى عربات صدئة ومحطات قديمة وخطوط حديدية تعلوها الأعشاب؟ وهل يمكن لهذا الكنز المهمل أن يسهم يوماً في تحقيق مكانة اقتصادية مرموقة للبنان؟
المدير العام ورئيس مجلس إدارة “مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك” زياد نصر يقول لـ “هنا لبنان” إنّ “أي مشروع لإعادة إحياء شبكة خطوط النقل السككي في لبنان يعتبر من المسائل الهامة والاستراتيجية كونه يساهم في إعادة الاعتبار لدور لبنان التاريخي وموقعه كصلة وصل بين الشرق والغرب، هذا بالإضافة إلى أنّ مرفق النقل السككي حيوي ومهم ويعود بالفائدة الاقتصادية الكبرى على البلد سواء على مستوى نقل البضائع أو الركاب. وهناك سعي جدي شهدناه في المرحلة السابقة وبفترات متفاوتة كون هذا الموضوع مرتبط بالاستقرار الأمني والسياسي ويتعلق بتأمين الاعتمادات المالية اللازمة له”.
ويتابع: “دوماً ما كان يتمّ طرح أفكار حول هذا الموضوع وكان لدينا العديد من اللقاءات مع بعض الجهات والمؤسسات الدولية وأيضاً مع المهتمين من القطاع الخاص، إلّا أننا لم نلمس أنّ الأمور قاربت مرحلة الالتزام بتنفيذ أيّ مشروع في هذا الإطار حتى الآن”.
ويضيف نصر: “لدينا في المؤسسة دراسة حول مشروع لإعادة إحياء الخط الساحلي من بيروت إلى طرابلس انطلاقاً من مرفأ بيروت حتى مرفأ طرابلس انتهاء بالحدود اللبنانية السورية وسبق وتم التواصل مع البنك الأوروبي للتثمير بشأن المشروع لتأمين التمويل المطلوب لتنفيذه، لكن الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية لم تكن مساعدة لتأمين التمويل لتنفيذ هذا المشروع، علماً أنّ هذا النوع من المشاريع الاستثمارية الكبرى يرتبط بالسياسة العامة للدولة اللبنانية وبالأولويات التي تحددها للنهوض بالمرافق والخدمات العامة الأمر الذي يتطلب قراراً سياسياً ومن ثم العمل على تأمين التمويل اللازم”.
ويؤكد على أنّ هذا المشروع من الممكن أن يتم تنفيذه من خلال عقد الـ BOT أو غيره بحيث يتم تسديد نفقات تنفيذ المشروع من العائدات المرتقبة منه خلال مدة ﻣﺤﺪدة، إنما هذا الأمر أيضاً كما ذكرنا يبقى مرتبطاً بالقرار السياسي والرؤية الاقتصادية التي تتبناها الحكومة اللبنانية لتلزيم مشاريع من هذا الحجم”.
أما عن مشروع إنشاء نفق يربط بيروت بالبقاع، فيقول: “سبق وصدر قانون من قبل مجلس النواب في ما يخص هذا الموضوع على اعتبار أنه كان يجب إعداد الدراسات اللازمة له، الأمر الذي لم يحصل في حينه، ولكن مؤخراً صدر عن مجلس الوزراء قرار قضى بتكليف مجلس الإنماء والإعمار تلزيم إنجاز الدراسة اللازمة لهذا المشروع لإحدى الجهات المتخصصة وذلك عبر مناقصة تجري لهذه الغاية”.
ومن الناحية الاقتصادية وحجم العائدات التي يمكن أن يدرها قطاع سكك الحديد للبنان، يرى الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري أنّ الإضافة النسبية لقطاع السكك الحديدية إلى الاقتصاد الوطني يمكن أن تكون متعددة الأبعاد وتختلف حسب البلد والسياق الاقتصادي، ومن فوائدها، النمو الاقتصادي، فالسكك الحديدية يمكن أن تزيد من النمو الاقتصادي عن طريق تحسين الاتصال بين المدن والمناطق، مما يسهل حركة البضائع والخدمات،ما يقلل من تكاليف النقل ويزيد من الكفاءة الإنتاجية. وتظهر الدراسات حول السكك الحديدية أنها يمكن أن تؤدي إلى خلق الآلاف من فرص العمل خلال مراحل البناء والتشغيل. على سبيل المثال، المشروع الضخم لخط القطار فائق السرعة في المملكة المتحدة من المتوقع أن يخلق أكثر من 22,000 وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر خلال السنوات الخمس الأولى من بدء البناء”.
إضافة إلى التوظيف غير المباشر، فبحسب الخوري إن “قطاع السكك الحديدية يمكن أن يوفر فرص عمل غير مباشرة في البناء، الصيانة، التشغيل والخدمات اللوجستية”.
وأيضاً الاستدامة البيئية إذ يلفت إلى أنّ “السكك الحديدية هي وسيلة نقل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة مقارنة بالطرق الأخرى، خصوصًا في نقل البضائع الثقيلة والسفر لمسافات طويلة. هذا يمكن أن يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية. السكك الحديدية هي واحدة من أكثر وسائل النقل كفاءة من حيث استهلاك الطاقة. على الرغم من أنّ القطارات تنقل 8% من ركاب العالم و7% من البضائع العالمية، فإنها تستهلك فقط 2% من إجمالي الطلب على الطاقة في قطاع النقل. الاعتماد المتزايد على السكك الحديدية يمكن أن يسهم في خفض استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون”.
ومن فوائد خطوط الحديد بحسب الخوري “دورها في تعزيز التجارة ورفع مستوى التنمية لأنّ تحسين شبكات السكك الحديدية يمكن أن يعزز التجارة البينية والدولية، مما يدعم الأسواق المحلية ويوسع الوصول إلى الأسواق الخارجية. كما تلعب السكك الحديدية دوراً حيوياً في ربط المناطق النائية والأقل تطوراً بالمراكز الحضرية، مما يساعد على تقليل التفاوتات الإقليمية في التنمية الاقتصادية. كما أنها تفتح الأسواق الجديدة للمنتجات الزراعية والصناعية من خلال تحسين الوصول إلى الأسواق الكبرى”.
وأخيراً، يشدد على أهمية القطاع في تقليل الازدحام، ففي الحواضر الكبيرة، يمكن للسكك الحديدية تقليل الازدحام المروري عن طريق توفير بديل فعال للسيارات الخاصة، مما يحسن الإنتاجية العامة ويقلل من التلوث”.
وفي المحصلة، كل هذه العوامل تسهم في الناتج المحلي الإجمالي والرفاهية العامة، إذ تعتبر السكك الحديدية استثمارًا طويل الأجل يمكن أن يحقق عوائد كبيرة للاقتصاد الوطني، حيث تشير الدراسات إلى أنّ كل قرش يتم استثماره في قطاع النقل يثمر أربعة أضعاف في الناتج الوطني. وإذا أضفنا المنافع الإضافية البيئية والتشغيلية والتنموية التي يضيفها قطاع السكك الحديدية يمكن أن نصل إلى ضعف خامس.
مواضيع مماثلة للكاتب:
مرسوم دعم متقاعدي الخاص في الجريدة الرسمية…هل تلتزم المدارس؟ | خسائر القطاع الزراعي وصلت إلى 70% ..”والحبل على الجرار” | تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار |