في فك التنين
ما ينقذ لبنان ممّا هو فيه هو أن يتخلص بداية من أعداء الداخل، من يعيقون كل محاولة لإحياء الدولة وسيادتها وقرارها ومن ينكرون على لبنان واللبنانيين حقهم في الإستقرار والهدوء وتطوير البلد وقدراته، وإن حصل ذلك فسيكون لبنان عندها الأقوى في مواجهة أي عدو خارجي
كتب بسام أبو زيد لـ”هنا لبنان”:
يحاول بعض من في لبنان أن يسوِّق لمقولة أنّ عدم الإستقرار الذي يعيشه البلد هو أمر طبيعي ومرده إلى وجود الكيان الإسرائيلي عند حدودنا الجنوبية، ولكن مراجعة تاريخية وراهنة للكثير من الأحداث تثبت عدم منطقية هذه المقولة وتظهر أنّ السبب الأساس لما نعيشه هو عدم وجود دولة من جهة وولاء بعض الجهات اللبنانية لمصالح خارجية.
صحيح أنّ نكبة فلسطين هجرت قسماً كبيراً من الفلسطينيين إلى لبنان، ولكن هؤلاء تسلحوا ضمن تشكيلات عسكرية وخاضوا حروباً ضدّ المحتل انطلاقاً من لبنان وخاضوا حروباً أيضاً ضدّ اللبنانيين. وقد جرى كلّ ذلك لأنّ الدولة لم تكن موجودة كي تحافظ على سيادتها وقرارها ولو بالقوة، كما أنّ لبنانيين وقفوا إلى جانب هذه التشكيلات المسلحة ضدّ أبناء بلدهم، واستغلت إسرائيل كل هذا الوضع من أجل أن تساهم مع كل هؤلاء في جعل لبنان ساحة للحرب وعدم الإستقرار.
هذه التجربة لم تنته مع الفلسطينيين، فطريق فلسطين ما زالت تمر بلبنان ولبنان فقط على الرغم من خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلّا أنّها استبدلت بقوات تابعة لمحور الممانعة، وتذرعت إسرائيل بوجودها كي تستمر في هجماتها واعتدءاتها على لبنان.
يعاني اللبنانيون حالياً من أزمة سياسية واقتصادية هي نتيجة تراكمات كثيرة منذ أن أُعلن زوراً عن انتهاء الحرب في لبنان، ولم يتسبب بها لا عدو ولا صديق، فليس العدو من يعطل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة ومكافحة الفساد وإتمام الإصلاحات ووقف التعديات على الأملاك العامة والخاصة وتعطيل القضاء ومؤسسات وإدارات الدولة وغيرها من الممارسات التي هي بالتأكيد نتاج مسؤولين وجهات لبنانية لا يقيمون للقانون والدستور والدولة أي وزن.
ليس العدو هو المسؤول عما آلت إليه الأوضاع المصرفية ووضع الليرة وعدم تدفق الاستثمارات وتوفير فرص العمل للبنانيين، وليس العدو مسؤولاً عن فقدان اللبنانيين لودائعهم وتصاعد نسبة الهجرة في صفوف الشباب، وليس العدو مسؤولاً عن حال الفوضى التي تعم البلد وعن حرمان اللبنانيين من أبسط الخدمات التي يفترض أن تكون حقوقاً مكتسبة.
إنَّ التذرع بشكل دائم بأنّ العدو يقف وراء كل مصائب لبنان ما هو إلا محاولة لتبرئة المرتكبين ورفدهم بالذرائع التي تمكنهم من التملص من أي مسؤولية، فمن السهل على كل مسؤول وموظف وعامل في الشأن العام أن يبرر فشله وارتكاباته بأنها ما كانت لتحصل لولا وجود العدو.
إنّ ما ينقذ لبنان مما هو فيه هو أن يتخلص بداية من أعداء الداخل من يعيقون كل محاولة لإحياء الدولة وسيادتها وقرارها ومن ينكرون على لبنان واللبنانيين حقهم في الإستقرار والهدوء وتطوير البلد وقدراته، وإن حصل كل ذلك فسيكون لبنان عندها الأقوى في مواجهة أي عدو خارجي وسيكون متفرغاً لخوض هكذا حرب بسلاح العلم والمعرفة والإقتصاد والتقنيات والسياحة والإستشفاء، ولكن إن استمرينا في وضع أنفسنا في فك التنين فلن ينقذنا منقذ ولن تقوم لنا قيامة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تيننتي: لا صحة للانباء عن جولة لـ”اليونيفيل” في بعلبك | أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغانتس… وردود أفعال غاضبة: “فضيحة غير مسبوقة” | دريان: فرحتنا لا تكتمل بالاستقلال إلّا بوجود رئيس جمهورية |