تهدئة جبهة غزة تهيئ لتوسعة جبهة لبنان


خاص 6 حزيران, 2024

إسرائيل قد تخفِض حدة القتال في غزة وقد تلتزم بهدنة محدودة لتبادل الأسرى والرهائن، لكنها سترفع حدة الصراع في لبنان وسوريا لأنّ القيادة العسكرية الإسرائيلية ارتأت أنّ توحيد الساحتين في جبهة واحدة يسهّل عليها مواجهتها، فيما فصلهما يغرقها في حرب إستنزاف تجرها إلى فصل شتاء تعيق وحوله حركة قواتها البرية ويعرقل ضبابه مناورات قواتها الجوية


كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

هل ستخضع إسرائيل لشرط “حزب الله” وقف الهجوم على حماس في غزة كي يوقف هو هجومه على إسرائيل من لبنان؟
رصد مسار القتال يظهر أنّ إسرائيل تتجه إلى نقيض ما عرضه “حزب إيران” بحيث أنها تعمل على تصعيد حدة القتال في سوريا ولبنان وتوسعة ميادينه ورفع مستوى أهدافه لنقل الصراع من غزة إلى لبنان.
إسرائيل قد تخفِض حدة القتال في غزة وقد تلتزم بهدنة محدودة لتبادل الأسىرى والرهائن، لكنها سترفع حدة الصراع في لبنان وسوريا لأنّ القيادة العسكرية الإسرائيلية ارتأت أنّ توحيد الساحتين في جبهة واحدة يسهّل عليها مواجهتها، فيما فصلهما يغرقها في حرب إستنزاف تجرها إلى فصل شتاء تعيق وحوله حركة قواتها البرية ويعرقل ضبابه مناورات قواتها الجوية.
أحدث عمليات إسرائيل لتوحيد الساحتين اللبنانية والسورية، إغتيال اللواء سعيد أبيار المعروف بإسمه الحركي الحاج قاسم في غارة جوية في محيط مدينة حلب السورية بعد ساعات من عودته من إيران إثر تسلّمه مهامه الجديدة قائداً لجبهة الحرس الثوري في سوريا ولبنان، وهو المنصب الذي شغر نتيجة الغارة الإسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في شهر نيسان الماضي.
وكان الحاج قاسم قد عاد إلى سوريا ضمن قافلة تنقل زواراً إيرانيين للعتبات الشيعية المقدسة في دمشق، وقد إنفرزت حافلاته عن القافلة وتوجهت إلى حلب حيث استهدفته غارة في ما يقال إنه معمل للنحاس المستخدم في الصناعات العسكرية.
هل استخدام الحاج قاسم لقافلة الزوار سيهدد مسار حافلات هذه الرحلات الدينية المزدهرة جداً؟ الجواب رهن ما تقوم به إسرائيل التي تحرص على عدم مقاربة محظورين بالنسبة لها وهما عدم الإرتباط بإتفاق مع ميليشيا كي لا تفقد صفة كونها دولة عضو في الأمم المتحدة، وعدم الإنزلاق إلى حرب شتوية تعرقل خطوط إمدادها وتضعف دفاعات مواقعها في مواجهة مجموعات غير نظامية قادرة على الحركة السريعة في الوديان والجبال المكسوة بالثلوج.
خارطة الميدان المتغيرة بسرعة تؤشر بوضوح إلى أنّ طرفي النزاع عبر جنوب لبنان يتجهان إلى التصعيد، سواء في القوة النارية المعتمدة أو في الأهداف المختارة أو الخسائر المحققة.
وفق دراسات وكالات دولية تمكن حزب إيران من تهجير 100 ألف إسرائيلي من مستوطناتهم الشمالية المحاذية للحدود اللبنانية. بالمقابل هجّرت نيران إسرائيل عددًا مماثلاً من اللبنانيين من بيوتهم في الشريط الحدودي جنوبي نهر الليطاني.
لكن الخسائر البشرية والعمرانية في جنوب لبنان كانت أعلى بكثير من مثيلاتها في إسرائيل.
ذكرت “الدولية للمعلومات” أنّه منذ فتح حزب إيران “جبهة الإسناد” من جنوب لبنان في 8 تشرين الأول الماضي ولغاية صباح 22 أيار قتل 305 عناصر من حزب إيران توزّعوا على 142 مدينة وبلدة لبنانيّة، بحيث كان العدد الأكبر من بلدة كفركلا (12 عنصراً) ثمّ من بلدتي عيتا الشعب ومركبا (9 عناصر من كل منهما)، ومن بعدهما 8 عناصر من كل من عيترون وبليدا والطيبة، وجميع هذه البلدات في جنوب لبنان، مشيرة كذلك إلى أنّ 52 % منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً.
ورصدت وكالات أخرى مقتل 92 مدنياً في نفس الفترة، وأعلنت إسرائيل مقتل 14 عسكريا و11 مدنياً.
أما الخسائر المادية في جنوب لبنان فأرقامها مخيفة، إذ تفيد الدراسات أنّ عدد المنازل المدمرة بالكامل قد وصل إلى 1،700 يضاف إليها 1،400 منزل متضرر، وبلغت القيمة التقديرية للأضرار ما يقارب المليار دولار فيما أضرار البنية التحتية قدرت بنحو 500 مليون دولار.
أما الخسائر الزراعية التي يتوقع أن تكون هائلة نظراً لتعرضها لقذائف الفوسفور والحرائق التي إلتهمت بعض حقولها، فلا يمكن تقديرها إلا بعد إنتهاء الحرب كي تتمكن فرق المسح والتخمين من العمل.
ويقودنا عرض الخسائر التي مني بها اللبنانيون جراء زجهم في حرب تناقض المفهوم الدفاعي عن الأرض اللبنانية الذي كان حزب إيران المسلح يتمسك به شعاراً لقتاله في الجنوب، إلى التمعن في أجواء المواطنين الجنويين، لا سيما المهجرين منهم.
تتردد في أجواء الجنوبيين المهجرين من بلداتهم وقراهم مقاربة تعتبر أنّ الهجوم على إسرائيل دفاعاً عن حماس في غزة ليس دفاعاً عن أرض لبنان، فإلى أين بعد التهجير؟
السؤال نفسه، وإن بصيغ مختلفة، يتردد بين الإسرائيليين الذين هجّروا من المستوطنات الشمالية والذين نقلت عنهم وكالات الأنباء الدولية مطالبتهم بإنسحاب حزب إيران إلى شمالي مجرى نهر الليطاني كي يتجاوزوا الخوف من إمكانية أن ينفذ الحزب هجوماً على مناطقهم شبيهاً بهجوم حماس في 7 تشرين الأول الماضي على بلدات غلاف غزة.
ويبقى السؤال على جانبي الخط الأزرق إلى أين؟

الوساطة الفرنسية لإحتواء الصراع اللبناني-الإسرائيلي وإجراء إنتخابات رئاسية فشلت، والمبادرة الأميركية التي يعمل على ترويجها المستشار الأميركي آموس هوكشتاين تركز على أولوية حل الصراع الحدودي على جانبي الخط الأزرق.
وذكر هوكشتاين في مقابلة مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أنّ البداية ستكون السماح لسكان المجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم ولسكان المجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم.
وأضاف أنّ جزءاً من ذلك سيتطلب تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب وتجهيز القوات، دون أن يوضح كيف سيتم ذلك.
مسألة التجنيد التي ذكرها هوكشتاين لم تثر إهتمام كثر، علماً بأنّ الخبراء في قراءة قاموس التسويات الأميركي الزاخر بالأفخاخ إعتبروا أنها أخطر مفردة وردت في الخطة.
أحد الخبراء لفت إلى أنّ تعّمد استخدام مفردة تجنيد “يعني استيعاب عدد كبير من العناصر لضمهم إلى الجيش اللبناني”.
فهل يروّج هوكشتاين لعرض إستيعاب مقاتلين من حزب إيران في الجيش اللبناني، ما يؤدي، من ضمن عدة أمور أخرى، إلى إنتاج حشد شعبي لبناني يضمن التحكم بالسلطة الحاكمة في بيروت لصالح طهران ،كما يتحكم الحشد العراقي بسلطة بغداد لصالح طهران؟
وهل يعمل هوكشتاين على تسويق حشده اللبناني بعرض ما أسماه في تصريحه “حزمة اقتصادية للبنان والتأكد من أنّ المجتمع الدولي يظهر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيه”.
وأسهب الوسيط الأميركي في التسويق للتجنيد بما يسيل له لعاب منظمة السلطة اللبنانية قائلاً: “إنّ شبكة الكهرباء في لبنان، على سبيل المثال، تعمل لبضع ساعات فقط في اليوم، مما يلحق ضرراً جسيماً باقتصادها… لدينا حل لذلك، لقد وضعنا حزمة يمكن أن تخلق حلاً من شأنه أن يوفر لهم الكهرباء لمدة 12 ساعة في فترة زمنية قصيرة”.
لم يعد التساؤل في لبنان “ماذا” في جعبة هوكشتاين؟ بل صار “من” سيستفيد من عروض هوكشتاين؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us