ما السرُّ الذي يخبئه هوكشتاين؟


خاص 13 حزيران, 2024

لا يتوقع هوكشتاين حرباً على حدود لبنان، على رغم كل المؤشرات التي توحي باحتمال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة. وهذا هو سر ارتياحه والتزامه الصمت طوال الفترة الأخيرة، وهذا الارتياح ينطلق من اقتناع إدارة جو بايدن بأنّ إسرائيل لن تتنكر للتعهدات التي قطعتها لواشنطن بتجنب توسيع الحرب على الحدود الشمالية، وأنها لن تنفذ تهديداتها بشن حرب شاملة وشرسة بكل المقاييس على لبنان

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

لم تنشأ علاقة بين “حزب الله” وأي موفد أميركي إلى لبنان كتلك القائمة حالياً مع آموس هوكشتاين. فالرجل يبدو واثقاً في أنه سينجح في إبرام صفقة ثانية بين “الحزب” وإسرائيل، يكون فيها الأميركيون طرفاً ثالثاً، على غرار صفقة الترسيم بحراً قبل نحو عامين. وهو يؤكد أنّ هذه الصفقة كانت ستُنجز لولا اندلاع الحرب في غزة، قبل 9 أشهر، ودخول “الحزب” في حرب رديفة.
وفي الواقع، كان هوكشتاين قد بدأ وساطته لإنجاز الترسيم البري في منتصف الصيف الفائت، باتصالات حثيثة مع الرئيس نبيه بري باعتباره الشريك الشيعي الموثوق فيه لدى “الحزب”. واتسمت تلك الوساطة بالزخم، وسط تفاؤل تعمَّد هوكشتاين تظهيره في الصورة الشهيرة التي بدا فيها برفقة السفيرة السابقة دوروثي شيا، يتناول المناقيش، ببرودة أعصاب، على طاولة مكشوفة في أحد مقاهي الروشة، قبل أن ينتقلا معاً إلى البقاع، حيث تنعَّما بنهار سياحي هادئ في قلعة بعلبك التاريخية. وليس عادياً أن يقوم ديبلوماسي أميركي رفيع المستوى بمثل هذا الأمر في بيئة لطالما استوجبت اعتماد جانب الحذر.
وحتى خلال حرب غزة، بقي هوكشتاين واثقاً في قدرته على عزل الجنوب اللبناني عنها وفتح باب التفاوض. وهذا ما عمل عليه في جولاته المكوكية بين لبنان وإسرائيل. ويتردد أنّ دوره كان أساسياً في إقناع الإسرائيليين بأن يخفضوا سقف طروحاتهم في الجنوب اللبناني وأن يقدموا التنازلات التي تساعد “الحزب” على قبول التسوية. وتُرجِمت تنازلات إسرائيل بتقليصها لعمق “المنطقة الآمنة” التي تريد من “الحزب” إخلاءها من المقاتلين. فبعدما كانت تصر على اعتماد خط الليطاني، وفقاً لنص القرار 1701، باتت تقبل بنحو 7 كيلومترات فقط. ومرد هذا التراجع هو استعجال إسرائيل إبرام صفقة مع “الحزب” تقفل جبهة الجنوب، ما يتيح لها الانصراف بالكامل إلى غزة.
لكن رد “حزب الله” كان حاسماً: لا وقف للقتال في الجنوب إلا إذا انتهت الحرب في غزة. فطهران تعتبر أنّ حلفاءها في الشرق الأوسط يشكلون جبهة واحدة، وهي لا تقبل بجعل “حماس” وحيدة ومستضعفة في المواجهة مع إسرائيل. وفي زيارتيه الأخيرتين للبنان، فوجئ هوكشتاين بأنّ “الحزب” أعاد وضع ملف مزارع شبعا عقبة أمام الترسيم البري، علماً أنه، قبل فترة، أبلغ الوسطاء بوجود شبه اتفاق حول مجمل نقاط الحدود، على أن توضع المزارع في عهدة الأمم المتحدة حتى يتاح حلّ أزمة الحدود بين الأطراف الثلاثة المعنية: إسرائيل، لبنان وسوريا.
استنتج هوكشتاين أنّ المشكلة التي تعترض وساطته في لبنان لا تكمن في طبيعة الاتفاق المزمع التوصل إليه مع “حزب الله”، بل في التوقيت، أي في استعداد “الحزب” لإبرام اتفاق مع إسرائيل فيما غزة غارقة في الحرب. ويقال إنّ الوسيط الأميركي يدرك أنّ الاتفاق بين لبنان وإسرائيل شبه جاهز، وأنه موضوع طيّ الأدراج في انتظار الظرف المناسب للإفراج عنه.
ويشير ديبلوماسيون إلى أنّ هوكشتاين لا يتوقع حرباً على حدود لبنان، على رغم كل المؤشرات التي توحي باحتمال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة. وهذا هو سرّ ارتياحه والتزامه الصمت طوال الفترة الأخيرة. وهو أبلغ الجانب اللبناني بذلك. وهذا الارتياح ينطلق من اقتناع إدارة جو بايدن بأنّ إسرائيل لن تتنكر للتعهدات التي قطعتها لواشنطن بتجنب توسيع الحرب على الحدود الشمالية، وأنها لن تنفذ تهديداتها بشن حرب شاملة وشرسة بكل المقاييس على لبنان. كما أنّ خط الاتصالات المفتوح بين إدارة بايدن وطهران كفيل بتطويق أيّ صدمة في الجنوب اللبناني.
وأساساً، منذ ولادة القرار 1701 في العام 2006، حرص الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون على منع إسرائيل من تنفيذ ضربات جوية في الأراضي اللبنانية. ولذلك، على مدى سنوات، بقي الإسرائيليون يستهدفون مواقع لـ”حزب الله” وإيران في سوريا، لكنهم يتجنبون تسديد الضربات داخل الأراضي اللبنانية.
الديبلوماسيون يقولون إنّ التزام هوكشتاين جانب الصمت، خلال هذه الفترة، مردّه الاقتناع بأنّ “حزب الله” يلعب مع إسرائيل على حافة الهاوية، لكنه في اللحظة المناسبة سيوقف اللعب لئلا يسقط في هذه الهاوية. فهو والإيرانيون يعرفون حدود اللعبة جيداً، ولا يتحملون تجاوزها. بل إنّ هوكشتاين يتوقع حصول خرق ديبلوماسي في موعد قريب، أي خلال شهرين أو ثلاثة، إذ سيجد لبنان نفسه مضطراً إلى إبرام تفاهم مع إسرائيل، يتضمن ترتيبات أمنية ترضي الجميع. وهذا هو سرّ تفاؤل هوكشتاين الذي يخبئه، واطمئنانه إلى مسار الوضع على الحدود اللبنانية، على رغم كل المؤشرات إلى حرب شاملة محتملة.
ولكن، هل يبالغ هوكشتاين في التفاؤل؟
بعض المطلعين يبدون حذراً تجاه هذا التفاؤل، ويقولون: في مسائل الحرب في الشرق الأوسط، إسرائيل هي صاحبة المبادرة لا الولايات المتحدة. وحكومة الحرب هناك، بتشكيلتها المرتقبة، ستزداد تصلباً، وقد يقوم أركانها بتحدي الولايات المتحدة وتسديد ضربة قاسية إلى لبنان، في خضم الحرب الدائرة في غزة. فهامش المناورة لدى إسرائيل أقوى من هامش المناورة الأميركي على أرض المعركة في الشرق الأوسط. وقد يكون بنيامين نتنياهو ورفاقه المتشددون قادرين على فرض خياراتهم على الرئيس جو بايدن. ولذلك، ليس مستبعداً أن يفاجأ بايدن وهوكشتاين بمغامرة إسرائيلية على حدود لبنان كما في العام 1982، عندما نفذ الإسرائيليون اجتياحهم حتى العاصمة بيروت، على رغم الرفض الأميركي القاطع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us