السيد والفيلم الأميركي القصير
كل التقديرات تشير إلى أنّ لبنان أمام “فيلم أميركي قصير” بحسب تعبير مراقبين. والسبب أنّ الوقت ينفذ أمام محاولات إبقاء مواجهات في الجنوب ضمن ما سميّ ولا يزال “المشاغلة”
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
يبدأ كبير مستشاري البيت الأبيض آموس هوكشتاين اليوم وساطة جديدة بين لبنان وإسرائيل. وهو سيتنقل بين تل أبيب وبيروت سعياً وراء نزع فتيل انفجار “حقيقي للغاية” على حد ما ورد في بيان مشترك أصدرته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت مع رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام الجنرال أرولدو لازاروا.
ما كانت زيارة هوكشتاين لتتم لو بقيت الأمور في إطار المواجهة المحدودة التي بدأها “حزب الله” في 8 تشرين الأول الماضي غداة عملية “طوفان الأقصى” في غزة . لكن في الأيام الأخيرة، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي انزلقت المواجهات نحو تصعيد كبير بعدما نجحت إسرائيل في اغتيال القيادي البارز في “حزب الله” طالب عبد الله. ووقع الاغتيال في غارة شنها الجيش الإسرائيلي على بلدة جويا ما أسفر عن مقتل عبدالله مع ثلاثة آخرين.
وسط هذا المشهد المحتدم على الجبهة الجنوبية، كان مفاجئاً ما كتبه يوم الجمعة الماضي عبر منصة “إكس” سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان مجتبى أماني. فهو قال: “هناك إشاعات كاذبة عن استشهاد مسؤولين في حزب الله، وهي غير صحيحة على الإطلاق. والغرض من ذلك هو الحرب النفسية”.
ما كانت عبارات السفير الإيراني لتحتمل المناقشة لولا لم تأت في ظل التطورات الجنوبية الأخيرة ومصرع القائد البارز عبد الله. ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريراً في اليوم نفسه لتغريدة السفير أماني جاء فيه: “على مدى السنوات الـ 20 الماضية، قاد عبد الله إطلاق الصواريخ باتجاه كريات شمونة، والجليل، ومرتفعات الجولان. وهو أرفع قائد لـ “حزب الله” يقتل حتى الآن في الحرب. كان عبد الله نشطاً أيضاً خلال حرب لبنان الثانية (2006) ، حيث عمل كقائد لواء وطوّر الصواريخ في المنطقة. في أعقاب الهجمات على كفار بلوم ( مستوطنة في شمال إسرائيل) وبعد جمع المعلومات الاستخباراتية الأخيرة عنه، اغتال الجيش الإسرائيلي طالب بالضبط باستخدام طائرة مقاتلة. قاد العملية قائد القيادة الشمالية بالتعاون مع مديرية الاستخبارات والقوات الجوية”.
تقول الدكتورة اماتزيا بارام مديرة مركز الدراسات العراقية في جامعة حيفا في إسرائيل لصحيفة جيروزاليم بوست :”القضاء القوي على عبدالله، يقلق أعضاء “حزب الله”. إنهم يفهمون الآن أنّ الجيش الإسرائيلي يعرف عنهم أكثر بكثير مما نعرفه. بالإضافة إلى ذلك، تشير العملية إلى أنّ الأمن الميداني لـ”حزب الله” ليس محكمًا، وأن نظام استخبارات المنظمة قد تم اختراقه لدرجة أننا تمكنّا من القضاء على قائد قطاع مهم كهذا. كما تمكن الجيش الإسرائيلي من التسلل إلى شبكاتهم وأنظمتهم وتحديد الأشخاص المناسبين للقضاء عليهم”. وأشارت أماتزيا برام، إلى أنّ هذا يؤثر أيضاً على الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصرالله.
وأضافت: “يدرك نصرالله أنّ الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على استهدافه وقتما يشاء، وأعتقد أنّ هذا يقلقه قليلاً. وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإنّ نصر الله ليس شيعياً انتحارياً يتوق إلى الموت (الشهادة). إنه يدرك أنه سيكون التالي في الصف الذي سيموت إذا اندلعت حرب واسعة النطاق. هذا يشكل خطراً كبيراً عليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن القضاء على التنظيم هو نجاح كبير في الحرب النفسية ضد المنظمة ، لأنه يؤدي إلى قلق كبير بين القادة، الذين يعرفون أنهم قد يكونون التاليين”.
وفي صحيفة “يديعوت أحرونوت”، كتبت محررة الشؤون العربية سمدار بيري، أنّ “رسولاً إيرانياً رفيع المستوى هبط في بيروت بعد تصفية أبو طالب في جنوب لبنان. غير أنه لم يتوجه إلى مكتب الأمين العام حسن نصر الله، بل التقى مع مقربين من الأمين العام في غرفة مغلقة. وكان على جدول الأعمال: التخوف الإيراني الذي يرتبط بمخاوف “حزب الله” من أن تكون إسرائيل تبحث الآن عن رأس الأمين العام”.
وقالت: “حتى الآن عشنا مع فكرة أن “حزب الله” هو شريك كامل، وأن إسرائيل لا تعتزم تصفية نصر الله. 32 سنة مرت على توليه منصب الأمين العام للمنظمة، الأكثر تسلحاً والأكثر خبرةً في العالم، تعلمت إسرائيل فيها كيف تتوقع مضمون خطاباته، وعرفت كيف تحدد الارتفاعات والانخفاضات في حالته الصحية. نصر الله هو الشخصية الأعلى، لكن جيلاً جديداً من القادة ينمو تحته في المنظمة. ويمكن الافتراض بأنّ الأنباء التي تكشف بين الحين والآخر أسماء خلفائه المستقبليين تزعج نصر الله. فهو يشتبه، عن حق، في أن تكون إسرائيل هي التي تسرب هذه الأنباء كي تضعفه وتخلق توتراً داخلياً في قيادة المنظمة. ويبدو أنهم في قيادة الموساد يعرفون كيف يحددون بدقة 100 في المائة أين يوجد نصرالله في كل ساعة من اليوم. وحتى لو كان يغير العناوين، فإنّ رجالنا يوجدون عميقاً في الصورة. نصرالله هو الآخر مقتنع بأن إسرائيل يمكنها أن تصل إليه، ولكنها تضبط النفس”.
وأتى مقال “يديعوت أحرونوت”، بعد أسبوعين على التصريح الذي أدلى به رئيس “الموساد” الإسرائيلي (جهاز المخابرات الخارجية)، يوسي كوهن، والذي قال فيه “إن جهازه يتابع كل تحركات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وإنه يستطيع تصفيته في حال صدور قرار سياسي بذلك في تل أبيب” .
في موازاة هذا التزامن بين تغريدة السفير الإيراني في لبنان وبين الكلام الإعلامي الإسرائيلي عن الاغتيالات ، أتى التحرك الأميركي العاجل عبر هوكشتاين. وأعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم بشأن عدة سيناريوهات. وقال البعض لشبكة سي بي إس نيوز إنهم يفسرون الضربات العميقة الأخيرة التي شنتها إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية على أنها تعد ساحة المعركة لهجوم كاسح سيشنه الجيش الإسرائيلي.
ماذا عن مهمة هوكشتاين الجديدة؟ يجيب مسؤولان إسرائيليان لموقع أكسيوس الاخباري الأميركي بالقول أنّ رسول الرئيس الأميركي جو بايدن سيحاول منع التصعيد الأخير بين إسرائيل و”حزب الله” من التحول إلى “حرب شاملة”.
وكيف يقرأ “حزب الله” هذه التطورات؟ تجيب قناة “المنار” التابعة لـ “الحزب” قائلة: “كلما كان الغباء مستحكماً لدى قادة العدو، كان القصاص أقوى، وكلما سفكوا دماً سفكت المقاومة من هيبة جيشهم وما تبقى من ماء وجه حكومتهم”.
ابتداءً من اليوم، كل التقديرات تشير إلى أنّ لبنان أمام “فيلم أميركي قصير” بحسب تعبير مراقبين. والسبب أنّ الوقت ينفد أمام محاولات إبقاء المواجهات في الجنوب ضمن ما سميّ ولا يزال “المشاغلة”. ولعل هذا ما يعطي الكلام عن الاستهداف الإسرائيلي لنصرالله مباشرة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |