“تركولنا صاحب”
أقرب بلد إلى لبنان بعد المتوسط هو قبرص التي شكَّلت ملاذًا للبنانيين في معظم محطات الحرب منذ العام 1975، من حرب السنتين بين العامين 1975- 1976، إلى الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، إلى حرب التحرير عام 1989 إلى حرب الإلغاء عام 1990، إلى حرب تموز عام 2006.
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
مَن يتذكَّر ” الهاتف القبرصي ” الذي اجتاح لبنان في مطلع تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يدخل “الخليوي اللبناني” في منتصف التسعينيات؟ كانت خدمة الهاتف في لبنان شبه معدومة، وكان المعضلة الكبرى بالنسبة إلى الناس العاديين والشركات ورجال الأعمال. ابتكر آل ميقاتي (طه ونجيب) حلًا موقتًا، فاستحصلوا على إذن من السلطات القبرصية واشتروا آلاف الخطوط القبرصي ، وتمت برمجتها تقنيًا وتقوية إرسال المحطات الخاصة بها لتصل إلى لبنان، وجرى بيعها (وتوزيع بعضها) للمقتدرين وللذين يحتاجون أكثر من غيرهم للاتصالات الهاتفية بداعي الأعمال وغيرها. يومها، لولا الخطوط الهاتفية القبرصية لوقع لبنان في محظور العزلة عن العالم، فجاءت هذه الخطوط لتفك عزلة لبنان عن العالم وداخليًا بين اللبنانيين.
هذه واحدة من مآثر قبرص حيال لبنان.
مأثرة ثانية، حين أقفل مطار بيروت ، أو حين كان متعذَّرًا على كثير من اللبنانيين السفر عبره ، سمحت قبرص لباخرة ركاب لبنانية أن تنقل ركابًا من مرفأ جونيه إلى مرفأ لارنكا، ومن ذكريات تلك المرحلة، ان النواب اللبنانيين الذين سافروا إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في مؤتمر الطائف، والذين كانوا يقيمون في المناطق التي كانت تسمَّى “المناطق الشرقية”، سافروا عبر مرفأ جونية إلى مرفا لارنكا، ومن هناك أقلتهم الطائرة إلى مطار الطائف.
لم تكن قبرص يومًا سوى متنفس للبنانيين. أكثر من مرة انتهك بعض اللبنانيين سيادتها فاستخدموا أرضها لتنفيذ عمليات إرهابية، ولعل أبرز عملية في هذا المجال، محاولة اغتيال العماد ميشال عون عام 1989 حين كان رئيسًا للحكومة العسكرية. جرت محاولة لاغتياله في قبرص من خلال عملية إطلاق صاروخ على المروحية التي كانت تقله من بيروت إلى الجزيرة في التاسع والعشرين من نيسان، وكانت المجموعة توجهت إلى قبرص واستأجرت غرفة وأحضرت الصواريخ التي كانت ستُسقِط فيها مروحية العماد. قاد العملية “فلاديمير بوبوف” Vladimir Popov الذي كان ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ، وكان يعمل مصوراً في وكالة UPITN في بيروت، وأتاح له عمله كمصور أن يتحرك بسهولة في قبرص، ولذلك تم اختياره، وقد اعتقلت السلطات القبرصية المجموعة التي جرى تسليمها إلى السلطات اللبنانية التي عمدت إلى إطلاقها من دون أي توقيف. يومها لم تتخذ قبرص أي إجراء بحق اللبنانيين المقيمين على أراضيها.
حادثة انتهاك السيادة من خلال محاولة اغتيال العماد ميشال عون، لم تكن يتيمة، فمنذ أكثر من خمسة عشر عامًا، جرى توقيف اللبناني حسام يعقوب الذي ينتمي إلى حزب الله، وفي التحقيق معه اعترف بأنه كان مكلفًا مراقبة السياح الاسرائيليين. كما اعتقلت قبرص لبنانيًا وجدت في منزله في لارنكا كمية كبيرة من المواد التي تستَعمَل في صناعة المتفجرات واعترف بانتمائه إلى حزب الله.
يدرس الطلاب في كتاب الجغرافيا، في المنهج اللبناني، أن لبنان يحده من الشرق والشمال سوريا، ومن الجنوب فلسطين ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط. أقرب بلد إلى لبنان بعد المتوسط هو قبرص التي شكَّلت ملاذًا للبنانيين في معظم محطات الحرب منذ العام 1975 ، من حرب السنتين بين العامين 1975- 1976 ، إلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ، إلى حرب التحرير عام 1989 إلى حرب الإلغاء عام 1990 ، إلى حرب تموز عام 2006.
في كل هذه المحطات العسكرية، كان اللبناني يفكِّر في قبرص ، الملاذ الأقرب والأسرع. طوَّر اللبناني هذا الملاذ ، مِن اللبنانيين مَن طوَّر أعماله في الجزيرة ، ومنهم مَن أقام فيها فسجَّل أولاده في مدارسها، تطورت الأمور فاستحدثت مدارس عريقة كمدرسة “الليسيه” فرعًا لها في قبرص ، وحتى الجامعات قامت بهذه الخطوة ، ومنها الجامعة الأميركية في بيروت التي باشرت التعليم في فرعها في قبرص في هذه السنة الدراسية 2023- 2024.
هكذا نبادل قبرص؟ بالتهديدات؟
اتركوا لنا صاحبًا!
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |