الفاتيكان في لبنان: الرسول الأخير


خاص 24 حزيران, 2024

عندما وصف البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لبنان بأنّه “رسالة”، كان يعني أنّ أهمية هذا البلد لا تنطلق من واقعه الجغرافي. وها هو أمين سر دولة الفاتيكان يؤكد هذه الأهمية كي يقول للعالم بما معناه أنّ استباحة هذا البلد جغرافياً لن تفلح معنوياً على المستوى الرسولي

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

يشهد لبنان هذا الأسبوع حضور الفاتيكان على أرفع مستوى لا يضاهيه فقط سوى حضور البابا فرنسيس شخصياً. فمنذ أمس الأحد كانت زيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين للبنان قبلة الأنظار، وهي ستستمر على هذا المنوال حتى الخميس المقبل.

ماذا يستطيع بارولين أن يقدم لهذا البلد، بصفته ممثل الدولة الأولى عالمياً على المستوى الروحي للمسيحيين؟ وهل بإمكانه إحراز نجاح في لبنان، ما لم يحرزه ممثل رئيس الدولة الأولى في العالم الأسبوع الماضي؟ والمعني هنا هو آموس هوكشتاين موفد الرئيس الأميركي جو بايدن؟

ليس مطلوباً من خلال مقارنة زيارة أمين سر دولة الفاتيكان بزيارة الوسيط الأميركي، الذهاب إلى إطلاق أحكام مسبقة، فتستند هذه الأحكام إلى الفشل الذي منيَ به هوكشتاين في مسعاه المكوكي بين تل أبيب وبيروت. بل المطلوب من هذه المقاربة بين زيارتي رمزين لأهم مرجعيتيّن روحية وزمنية في عالمنا المعاصر، هو لفت الانتباه إلى أنّ لبنان على حافة خطر عاش مثيله عام 2006 التي توصف بأنها الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان. أما الحرب الأولى، فهي التي وقعت صيف عام 1982 وأدّت إلى إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح. وهذه المرة، تلوح في الأفق الحرب الثالثة هذا الصيف حيث تعلن إسرائيل أنها ذاهبة إليها لإنهاء وجود “حزب الله” في الجنوب.

ومن ملامح الحرب بدء بعض الدول بإجلاء مواطنيها من لبنان وحظر السفر إليه،  وسط مخاوف من تصاعد العنف بين إسرائيل و”حزب الله” على طول الحدود مع لبنان.

ولكن ليس هناك أيّ مواطن يحمل جواز سفر باسم دولة الفاتيكان تريد الحاضرة الرسولية أن ترحله عن هذا البلد، بل هناك الملايين من اللبنانيين الذين يريد الفاتيكان حماية وجودهم في بلاد الأرز الممتدة من الحدود الجنوبية إلى سائر حدود لبنان الكبير.

ما يزيد الظروف تعقيداً أنّ زيارة الكاردينال بارولين تأتي بعد أيام قليلة من نشوب أزمة التهديدات التي أطلقها “حزب الله” ضد قبرص. وأخطر ما في هذه الأزمة أنها وضعت لبنان وجهاً لوجه مع الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الجزيرة المتوسطية التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتراً من شواطئنا هي حدوده في منتصف المسافة بين غربي البحر المتوسط وشرقه. وما ورد في تقرير صحيفة النيويورك تايمز حول هذه الأزمة يشير إلى أنّ هناك دفع بوقود شديدة الاشتعال إلى حريق لبنان الذي بدأ منذ نحو 9 أشهر على الحدود الجنوبية. ورداً على سؤال “ما هي العلاقة بين قبرص وإسرائيل”؟ كتبت الصحيفة الأميركية تقول: “ترتبط قبرص وإسرائيل بعلاقات اقتصادية وسياسية واستراتيجية. وأجرى جيشا البلدين تدريبات مشتركة وتبادلا الزيارات، ولدى البلدين برنامج تعاون دفاعي، وفقا لوزارة الدفاع القبرصية. وفي الوقت نفسه ، تتمتع قبرص بعلاقات مماثلة مع العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك بريطانيا ومصر وفرنسا، ولا سيما لبنان. لدى قبرص أيضاً “ملحق دفاعي” في إسرائيل – وفي حوالي عشرين دولة أخرى – كجزء مما تسميه “دبلوماسية الدفاع النشطة”. وهناك اتفاق تعاون إضافي بين قبرص واليونان وإسرائيل، تقول قبرص إنه يهدف إلى “تعزيز السلام والاستقرار والأمن في شرق البحر المتوسط”.

ما فعله “حزب الله” في الأيام الأخيرة هو توسيع رقعة النزاع الذي زج “الحزب” لبنان فيه منذ 8 تشرين الأول الماضي ولا يزال. وفي المقابل، يشارك المسؤول الأرفع في الفاتيكان غداً في لقاء ديني وطني موسّع دعا إليه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في بكركي. وسيضم اللقاء مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور. وفي هذا اللقاء الذي يمثل أرفع مستوى لقاء روحي لبناني منذ زمن بعيد، ستلوح بارقة أمل في مكان جمع  اللبنانيين، كما سيحصل  تحت عباءة الفاتيكان بعدما  تعذر الوصول إليه سياسياً في البرلمان.

قبل وصوله أمس إلى لبنان كانت لبارولين مواقف من تطورات لبنان. فخلال مشاركته في لقاء عُقد الأربعاء الماضي في مقر مجلس الشيوخ الإيطالي لم يخفِ كبير مسؤولي الفاتيكان قلق الكرسي الرسولي حيال إمكانية اتساع رقعة النزاع الدائر في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم ضد لبنان. وأوضح الكاردينال بارولين أن زيارته لبلاد الأرز كانت مرتقبة وليست مرتبطة بالوضع السياسي الراهن لكن ستحمل أيضاً بعداً دبلوماسيا. وعبر عن أمله بأن “تنبت بذور السلام وتأتي بالثمار المرجوة”.

كما صرح بارولين لدى وصوله: “جئنا إلى لبنان في مبادرة للقيام بكل ما يلزم لمساعدته ونقول لكم “صلوا لنا”.

عندما وصف البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لبنان بأنه “رسالة” كان يعني أنّ أهمية هذا البلد لا تنطلق من واقعه الجغرافي. وها هو أمين سر دولة الفاتيكان يؤكد هذه الأهمية كي يقول للعالم ما معناه أنّ استباحة هذا البلد جغرافياً لن تفلح معنوياً على المستوى الرسولي. ومن يدقق أكثر في المشهد يدرك أنّ بارولين هو الرسول الأخير الذي سيقول للعالم أنّ الفاتيكان لن يترك لبنان يذهب وقوداً في لعبة الأمم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us