“حزب الله” وخطة “استيعاب” السنّة


خاص 27 حزيران, 2024

يساعد “الحزب” على تحقيق هدفه غياب الحريرية عن الساحة، فيما يأخذ البعض على الرئيس سعد الحريري أنه لم يكن يواجه “الحزب” بالشدة المناسبة، تشاء الأقدار أن يكون غياب الحريري عن الساحة خطوة مثالية سمحت لـ”الحزب” باستيعاب العديد من القوى والشخصيات السنية، بالمفرق

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

من الواضح أن لبنان على وشك الدخول في تحوّلاتٍ حسّاسة تصيب توازناته الطوائفية والمذهبية. وركيزة هذه التحوّلات سعي “حزب الله” إلى استعادة المعادلة التي كانت سائدة قبل انسحاب سوريا في العام 2005.
حينذاك، كانت دمشق تحظى بـ”تلزيم” لبنان، بموافقة غربية وعربية. وتحت مظلة “س- س” الشهيرة، أي سوريا والسعودية، تحكمت دمشق بكل مفاصل السياسة والأمن في لبنان. ونجحت في إنتاج معادلة سياسية كاملة الولاء لها، بحيث يكون كل ممثلي الطوائف خاضعين لنفوذها، فيما تتم إزاحة المعترضين عن المسرح لتستمر اللعبة بهدوء.
أبعدت دمشق القوى الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، ودعمت أو نصّبت قوى أخرى بديلة. واستوعبت وليد جنبلاط كزعيم درزي، بعدما سُدّت كل أبواب الاعتراض في وجهه. وأما السنّة فساهمت في تفريخ بعض من سياسييهم الجدد، الذين لا حيثيات تمثيلية لهم، وتعاملت بحنكة مع زعامة الرئيس رفيق الحريري، المدعوم سعودياً والقوي دولياً. فكانت في الظاهر تقدم له التسهيلات والإغراءات لإطلاق المشاريع التي تستفيد منها، لكنها في العمق كانت تحاول استيعاب الرجل سياسياً، مع تياره الشعبي الواسع. وعندما رفض الحريري عملية استيعابه، وقعت الكارثة المعروفة.
بعد خروج السوريين، أخذ “حزب الله” على عاتقه إرجاع المعادلة إلى ما كانت عليه، على أن يحلّ هو محلّ دمشق في رعاية اللعبة. لكن الظروف كانت قد تغيرت. وأتاحت حركة 14 آذار تبدلاً جذرياً في مقاربات المسيحيين والسنّة والدروز، وجانب من الشيعة. وصحيح أن الحركة تجنبت الدخول في مواجهة “كسر عظم” مع “الحزب”، وراهنت على استيعابه لبنانياً، لكنها لم تتنازل على رغم سلسلة الاغتيالات الموجعة التي لاحقتها. ولم ينجح “الحزب” إلا في استيعاب العماد ميشال عون. وفي 7 أيار 2008، أطلق “الحزب” مسار السيطرة على السلطة بالكامل. وقد تحقق ذلك بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011. وكانت تلك الذروة التي أراد “الحزب” بلوغها للعودة إلى معادلة ما قبل 2005.
لكن المناخ الإقليمي أعاق ذلك. فقد اندلعت الحرب في سوريا، وانخرط فيها “حزب الله” بشراسة دفاعاً عن النظام. وانعكست هذه المشاركة سلباً على علاقات “الحزب” بالحالة السنية، في لبنان والعالمين العربي والإسلامي.
في الواقع، كان “الحزب” يحظى بحد معين من القبول في الأوساط السنّية، على خلفية صورته كمقاوم لإسرائيل. لكن الصورة انقلبت عليه غضباً بعد دخوله الحرب مع النظام في سوريا.
اليوم، حصلت تبدلات في الداخل اللبناني وفي الإقليم تصب في مصلحة “الحزب” وتدعم خطته لاستعادة الرصيد السني الذي خسره. والأبرز هو انفجار الحرب في غزة منذ 7 تشرين الأول 2023.
وعلى رغم أن “حماس” هي التسمية الفلسطينية لتنظيم “الإخوان المسلمين” السني، الخصم الأساسي لنظام الأسد في دمشق، فإن إيران بمختلف أجنحتها الإقليمية، ولا سيما “حزب الله”، تقف إلى جانبها في الحرب. ويرفض “حزب الله” وقف حرب المساندة في جنوب لبنان، على رغم تكبده مئات القتلى من عناصره وكوادره والدمار اللاحق بالكثير من القرى في الجنوب.
هذا الموقف سمح لـ”الحزب” باستعادة جزء وافر مما خسره من رصيد في الأوساط السنية عربياً وإسلامياً. وأما في الداخل، فينسق “الحزب” عملياته مع “الجماعة الإسلامية”. وعلى رغم أنّ “الجماعة” ليست التيار السني الأوسع انتشاراً في لبنان، فإنّ لها رصيدها في الطائفة. ويمكن القول إنّ “حزب الله” نجح في إعادة “التطبيع” مع جزء من المزاج السني في لبنان من خلال “الجماعة”. وفي مكان آخر، هو يقيم علاقات جيدة مع شخصيات وتكتلات نيابية وقوى سنّية.
ويساعد “الحزب” على تحقيق هدفه غياب الحريرية عن الساحة. فيما يأخذ البعض على الرئيس سعد الحريري أنه لم يكن يواجه “حزب الله” بالشدة المناسبة، تشاء الأقدار أن يكون غياب الحريري عن الساحة خطوة مثالية سمحت لـ”حزب الله” باستيعاب العديد من القوى والشخصيات السنية، بالمفرق. وإذا استمر هذا الاتجاه على حاله، فإنّ “الحزب” سيتمكن من تحصيل غالبية نيابية سنية، في موازاة الترميم الجاري في العلاقة مع “التيار الوطني الحر” مسيحياً ووليد جنبلاط درزياً.
هذا يعني أن عملية الاستيعاب التي يمارسها “الحزب” بهدف إعادة السيطرة على المعادلة الطوائفية والمذهبية، كما كانت قبل العام 2005، تسير في الاتجاه المناسب. وعلى الأرجح، ستساهم حربا غزة والجنوب في تدعيم هذا الاتجاه، لأنّ “الحزب” سيستغلها لتدعيم الجناح العسكري السنّي، أي “الجماعة الإسلامية”، بعد فترة من الجفاء، وترميم رصيده مع القوى السنية عموماً. وهذا ما سيضع القوى المعارضة في الطوائف كافة، ولا سيما المسيحية والسنّية، في مأزق سياسي جدّي خلال المرحلة المقبلة، ويضيق الخيارات أمامها… إلا إذا حصلت مفاجأة قلبت الموازين القائمة حالياً. وهذا الاحتمال يبدو ضعيفاً حتى الآن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us