46 عاماً على مجزرة القاع ورأس بعلبك والجديدة.. 26 شهيداً سقطوا على يد الغدر السوري
الهدف الأول من تلك المجزرة كان تهجير المسيحيّين من المنطقة، حيث وُضعت حينها خطة ممنهجة لتحقيق ذلك، لكن أغلبية الأهالي أصرّوا على البقاء ولم يغادروا، فبقي ولاء الانتماء للأرض والبلدات قوياً، ولم ينجح مرتكبو تلك المجزرة بتحقيق هدفهم، رغم سقوط 26 شاباً دفعوا ثمن نضالهم، فسطّروا ملحمة بطولة وباتوا رمزاً للمقاومة والشهادة من أجل لبنان
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
46 عاماً مرّت على مجزرة الغدر السوري في بلدات القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة، إنه فجر الثامن والعشرين من شهر حزيران 1978، تاريخ أليم لا يمكن أن ينسى، بعدما خرقه ضجيج وهدير الشاحنات السورية، التي أقلّت عدداً كبيراً من المسلحين بلباس مدني، برئاسة الضابط السوري علي ديب وفق ما ذكرت التقارير، ساعات من الغدر والقتل عاشتها البلدات الثلاث، التي لم تكن تعلم أنّ الغدر سيطالها، وبأنّ بعض شبابها سينضمون إلى قافلة شهداء المقاومة المسيحية، وسيسقطون مع بزوغ ذلك الصباح ضحايا بسبب انتمائهم الحزبي، وبهدف تهجير المسيحيين من تلك البلدات البقاعية الحدودية على أيدي هؤلاء المسلحين، بحثاً عن شباب كتائبيين لاقتيادهم تحت حجة التحقيق فقط، فحصلت مداهمات للمنازل واعتقالات في ذلك الليل المشؤوم انتهت باستشهادهم بأبشع الطرق.
لا شك في أنّ الهدف الأول من تلك المجزرة كان تهجير المسيحيّين من المنطقة، حيث وُضعت حينها خطة ممنهجة لتحقيق ذلك، لكن أغلبية الأهالي أصرّوا على البقاء ولم يغادروا، فبقي ولاء الانتماء للأرض والبلدات قوياً، ولم ينجح مرتكبو تلك المجزرة في هدفهم، رغم سقوط 26 شاباً دفعوا ثمن نضالهم، فسطّروا ملحمة بطولة ورمزاً للمقاومة والشهادة من أجل لبنان.
منعوا الكاهن من الصلاة لراحة أنفس الشهداء
لإستذكار ذلك التاريخ والإضاءة على ما حصل، أجرى موقع “هنا لبنان” اتصالات مع عدد من أهالي بلدة رأس بعلبك الذين عايشوا ذلك اليوم المشؤوم، فأشار بعضهم إلى أنّ احد الضباط السوريّين دخل أحياء البلدة، واقتاد ستة شبّان كتائبيّين، وفي الوقت عينه دخلت مجموعة أخرى بلدة جديدة الفاكهة لتقتاد خمسة شبّان، فيما داهمت قوة مماثلة بلدة القاع واعتقلت خمسة عشر شاباً من منازلهم . لافتين إلى أنّ القوات السورية أخلت الشوارع من الحواجز في البلدات المذكورة، قبل يوم واحد من إعتقال الشبان، وسط دهشة الأهالي وتساؤلاتهم عن سبب إزالة تلك الحواجز.
وتابع الأهالي: “في تلك الليلة المشؤومة جال ضابط سوري في بلدتنا، بحثاً عن الشبان تحت حجة التحقيق معهم فقط، على أن يعودوا خلال نصف ساعة، لكنهم اقتيدوا بثياب النوم إلى مكان مجهول، وفي اليوم التالي أبلغ السوريون كاهن الرعية ميشال بركات، مكان وجود جثث الشبان الشهداء لدفنهم، وهو رأى هول تلك المشاهد البربرية، وقد ضغطوا عليه كي لا يقيم الصلاة لراحة أنفسهم، لكنه فعل وبمَن حضر من المصلّين”، مؤكدين بأنّ هؤلاء الشهداء ما زالوا في القلوب والوجدان، وهناك لوحات بأسمائهم وُضعت أمام كنيسة السيّدة العجائبية في البلدة، وتقام القداديس في 28 حزيران من كل عام عن راحة أنفسهم.
وادي الرعيان شاهد على إجرامهم
ومن منطقة القاع تحدث عدد من الأهالي لموقعنا أيضاً، مستذكرين بأنّ سيّدة من قرية البزالية – بعلبك شاهدت في ساعات الفجر الأولى من ذلك التاريخ، سيارات عسكرية سورية، تنقل أشخاصاً مدنيّين إلى محلة وادي الرعيان، وسمعت لاحقاً إطلاق رصاص بغزارة، ثم رأت السيارات تعود خالية من الأشخاص. وإثر هذه المعلومات وُجدت جثث 26 شاباً مكبّليّ الأيدي، وأجسادهم ممزقة بالرصاص. فيما حاول ضباط الوحدات الخاصة السورية طمس الحقائق وتضليل التحقيق، فهدّدوا الأهالي حينها ومنعوهم من تقديم شكوى قانونية.
هذا ووصف أحد أبناء بلدة القاع، الذي عايش تلك الجريمة، بالمجزرة التي لا تنسى، والتي تضاف إلى السجّل السوري الأسود الحافل بالقتل. وقال: “لقد إستهدفوا العزّل والمدنيّين الآمنين”، وذكّر بالشهيد حنا مطر الذي سقط في تلك الليلة، لأنّه مؤمن بلبنان وبالمقاومة اللبنانية، مبدياً أسفه لأنّ القاتل لم يُحاسَب مع أنه معروف.
تحية إجلال للأبطال
في الختام وبالذكرى الـ 46 لتلك المجزرة الرهيبة، تحية إجلال للأرض التي أنجبت الأبطال ولم تبخل بتقديم الشهداء على مذبح الوطن، ولأهالي القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة الصامدين في البقاع الشمالي على الرغم من كل المخاطر… هم شهداء قضية لا تموت ولن تموت، وسيبقون في ذاكرة وضمائر رفاقهم وأبناء بلداتهم مهما طال الزمن. إنّه قدر الأحرار….