“قتال” إسرائيل بالقميص الأبيض!


خاص 1 تموز, 2024

لا يعني القميص الأبيض الذي ارتداه رئيس الحكومة “علماً أبيض” أو “سلاحاً أبيض”. وكل ما في الأمر أنّ حرّ الصيف له مقتضياته. ويكفي أنّ المرجعية الحكومية قامت بمبادرة لم يقم بمثلها “أصحاب الأرض”

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

أطلّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي السبت الماضي من صور، لمواجهة التهديدات الإسرائيلية بشن حرب واسعة على لبنان. وعلى النقيض من نظيره في الدولة العبرية بنيامين نتنياهو، الذي لا يزور شمال إسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان منذ تشرين الأول الماضي إلّا مرتدياً السترة الواقية من الرصاص، ظهر ميقاتي في زيارته الجنوبية مرتدياً القميص الأبيض. فهل من دلالة من وراء زيّ كل من ميقاتي ونتنياهو؟

بادئ ذي بدء، يستحق ميقاتي التقدير على الزيارة التي قام بها بصحبة “جنرالين” مدنيين هما وزير التربية عباس الحلبي ووزير الصحة فراس الأبيض. ولا يعني القميص الأبيض الذي ارتداه رئيس الحكومة “علماً أبيض” أو “سلاحاً أبيض”. وكل ما في الأمر أنّ حرّ الصيف له مقتضياته. ويكفي أنّ المرجعية الحكومية قامت بمبادرة لم يقم بمثلها “أصحاب الأرض”، أي قطبيّ الثنائي الشيعي الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله. فالرئيس بري الذي اعتاد أن يطلّ سنوياً من صور لإحياء ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه في نهاية شهر آب من كل عام، آثر العام الماضي أن يقيم المهرجان في جوار مقره البيروتي على الرغم من أنّ جبهة الجنوب لم يكن قد فتحها “حزب الله” بعد. أما نصرالله ومنذ 18 عاماً، أي بعد حرب تموز 2006 قرر الابتعاد عن الظهور العلني المباشر في أي مكان من لبنان.

حرص ميقاتي أن يحيط ظهوره بالقميص الأبيض بإضفاء ما لزم من مستلزمات تؤكد على حسن النوايا تجاه الثنائي الشيعي. فهو أصر على تضمين مؤتمره الصحفي في ختام زيارته لصور المعلومة الآتية: “حينما أبلغت رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنني سأزور صور قال لي أنت بين أهلك وأحبائك، وأنا فعلاً بين أهلي وأحبائي”.

كما أعلن ميقاتي رداً على سؤال في هذا المؤتمر: “المقاومة تقوم بواجبها، والحكومة اللبنانية تقوم بواجبها”.

واستحق ميقاتي في المقابل تحية إعلامية من “الثنائي”. فوصفت القناة التلفزيونية التي يملكها بري ما قام به رئيس الحكومة، بأنه “هجوم وزاري رسمي نحو الجنوب”. ونوهت بتصريح ميقاتي الذي قال: “نتمنى أن يبتسم الجنوب وكل لبنان”.

أما قناة “الحزب” التلفزيونية، فصادقت على قول ميقاتي بأنّ لبنانُ “يواجهُ حرباً إسرائيلية حقيقيةً” ووصفه “التهديداتِ التي تُشَنُّ على لبنانَ بأنها حربٌ نفسية”.

ومن الجنوب الذي ذهب إليه ميقاتي وعاد منه سالماً، إلى الشمال الذي قصده في اليوم نفسه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. ففي موقف على هامش مأدبة عشاء عكارية أطلق تهديدات ضد إسرائيل من مستوى تهديدات “الحزب” وسائر محور الممانعة. فهو قال إنّ “الحرب ستكون كارثة لكن الكارثة أكبر على إسرائيل وستكون تسريعاً لنهايتها”. وبدا باسيل في هذا الموقف، وكأنه يرد من خلاله بصورة غير مباشرة المزايدة على ميقاتي الذي دعا إلى “الابتسام” لمواجهة خطر الحرب. فدعا باسيل إلى توجيه إنذار إلى إسرائيل بانها ستلقى “نهايتها” إذا ما ذهبت إلى الحرب ضد شريك عمه في “تفاهم مار مخايل”!

كي لا تبقى الأمور في دائرة “جحا وأهل بيته”، كان لافتاً السبت المنصرم ما أعلنته سفارة المملكة العربية السعودية، عبر منصة “إكس”، أن “السفارة تتابع عن كثب تطورات الأحداث الجارية جنوب لبنان، وتؤكد دعوتها السابقة للمواطنين السعوديين كافة إلى التقيد بقرار منع السفر إلى لبنان” .

لم يكن إعلان السفارة السعودية الأول من نوعه ولن يكون بالطبع الأخير من جنسه. فقد تلاحقت الدعوات من الشرق والغرب على السواء التي تدعو رعايا دول صديقة للبنان مغادرته على عجل تحسباً لما تخبئه تطورات الجنوب. حتى أنّ السفير الهولندي Hans Peter vd Woude الذي انتهت مدة خدمته في لبنان كتب عبر حسابه على منصة إكس: “هذا كل شيء، لقد انتهى الوقت، لقد أنهيت مهمتي في لبنان وأغادر البلاد وأنا أشعر بالألم في قلبي”. وسبب “الألم” الذي لم يفصح عنه السفير الهولندي المغادر، شرحه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في إطار رئاسة مملكة البحرين للقمة العربية الثالثة والثلاثين. فهو دعا مجلس الأمن الدولي إلى “إصدار قرار عاجل بوقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية حرصاً على عدم اتساع دائرة الصراع، لما لذلك من تداعيات خطرة على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”.

قبل أيام، زار لبنان أمين سر دولة الفاتيكان بيترو بارولين. وكشفت هذه الزيارة التي قامت بها الشخصية الثانية في دولة الفاتيكان أن موقف المرجعية الأولى للكاثوليك في العالم قد جاء ملتبساً بالنسبة للبعض، الذين خلطوا بين تبنيه النهج الذي زج من خلاله “حزب الله” في مواجهة مع إسرائيل منذ 8 تشرين الأول الماضي ولا يزال ما هدد لبنان بخطر حرب واسع أتت حتى الآن على الأخضر واليابس على امتداد الشريط الحدودي الجنوبي تقريباً، وبين موقف الحاضرة الرسولية المتجذر في السلام كما يعكسه على الدوام البابا فرنسيس. ونتيجة هذا الخلط قاطع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اللقاء الروحي التاريخي الذي استضافته بكركي يوم الثلاثاء الماضي لمناسبة زيارة الكاردينال بارولين . وكان السبب لهذه المقاطعة ،كما بات معروفاً، هو انتقاد صاحب الدعوة ، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في سابق للقاء ، مسلك “الحزب” الأمني في الجنوب. وعشية مرور أسبوع على لقاء بكركي أطل الراعي في عظة الأحد امس معلنا “الصلاة يومياً ،كما في جميع كنائسنا، من أجل إيقاف الحرب في غزّة وجنوبيّ لبنان، وإحلال سلام عادل وشامل فيهما. فإلهنا إله سلام وأخوّة، لا إله حرب”.

هل من مبالغة في القول، أن الصلاة التي تجاهر بها بكركي رفضا للحرب التي ينزلق اليها لبنان هي ما يريده هذا البلد ؟ وليس الكلام المنمق الذي يرسله رجال القمصان البيض بعد عقود من التملق للقمصان السود؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us