نَحرُ القطاع الزّراعي مستمر… والدّولة في سبات عميق
في ظلّ شبه انعدام أسواق التّصدير، منافسة المنتجات المهرّبة أو المستورَدة، الكساد في المواسم، التدنّي في الأسعار والإهمال الرّسمي، وفي كنف دولةٍ فاشلةٍ وعاجزةٍ تبرّأت من مسؤوليّاتها وأبرزها دعم المواطنين وتسيير أمورهم… هل سيتكرّر مشهد رَمي الخضار والفواكه على الطّرقات اللّبنانيّة؟ أم سيتحرّك المعنيّون لمجابهة الكارثة الّتي ألمّت بالمزارعين؟
كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:
لم يستثنِ وحشُ الإهمال والتّقصير الّذي تغذّيه السّياسات الحكوميّة الفاشلة، القطاعَ الزّراعي من براثنه الفتّاكة، مخلِّفًا خسائر فادحةً وكسادًا في المواسم وتهريبًا “على عينك يا تاجر”. فبعدما كان صدى محارث الفلّاحين يصدح في السّهول الزّراعيّة سواء في البقاع أو الجنوب أو عكّار، باتت اليوم أصوات احتجاجاتهم وحسرتهم على مصادر رزقهم الّتي تُصارع للبقاء، تتصدّر المشهد الزّراعي.
منذ أيّامٍ، رمى عددٌ من مزارعي الخضار والحشائش في البقاع، محصولهم من البندورة والخيار والكوسى واللّوبياء والملفوف في ساحة سوق بلدة الفرزل، تعبيرًا عن غضبهم من تراجُع أسعار المبيع، مقارنةً مع أكلاف الرّيّ والقطاف والتّوضيب والنّقل، إذ تصل كلفة القطاف أحيانًا إلى ضعف سعر المبيع؛ واحتجاجًا على صعوبة تصريف الإنتاج خاصّة بعد إغلاق أبواب التّصدير إلى دول الخليج.
ورغم أنّ كثرًا استغربوا هذا التصرّف الذي يُعَدّ غير مألوفٍ، إلّا أنّ رئيس تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع ابراهيم الترشيشي يَعتبر في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “هذه ردّة فعلٍ طبيعيّة، فالسّياسات الخاطئة المتراكمة منذ بداية العام ولغاية اليوم ستوصل إلى هكذا نتيجة، وسنرى مستقبلًا إضراباتٍ أكثر وتلفًا للبضائع وصرخاتٍ احتجاجيّة من المزارعين من المناطق كافّة”. هذا عدا عن أنّ الأسعار المرتفعة جدًّا، تنعكس سلبًا أيضًا على حركة البيع، وتُلحق بالتّالي ضررًا بالمزارعين الّذين لن يجدوا منفذًا لتصريف إنتاجهم.
ويوضح أنّ “الخضروات يتمّ بيعها يوميًّا، أي عندما تُقطف يجب أن تُصرّف فورًا من دون تأخير، ولا يمكن تخزينها أو وضعها في البرّادات. وعندما وَجد المزارعون أنّ الكساد سيّد الموقف، وأنّ أسعار المنتجات الزّراعيّة متدنّيةٌ ولا تغطّي حتّى نسبة 50 بالمئة من كلفة الإنتاج الإجماليّة، وأحيانًا لا تعادل حتّى كلفة القطاف فقط؛ بالتّالي ارتأوا رميها أرضًا”.
ويلفت التّرشيشي إلى أنّ “سهل البقاع هو الأكبر من حيث المساحة والأكثر إنتاجيّة بين مختلف السّهول الزّراعيّة اللّبنانيّة، ونحن بأمسّ الحاجة لتصريف هذا الإنتاج، ولذلك يجب تصدير كميّة كبيرة منه إلى الخارج”، مذكّرًا بأنّ “لبنان كان في الماضي ملك التّصدير إلى الدّول العربيّة الأخرى، وأسواق كثيرة كانت تعتمد على المنتوجات الزّراعيّة اللّبنانيّة، لا سيّما أنّ درجات الحرارة المرتفعة جدًّا في تلك الدّول كانت تنعكس على زراعاتها المحليّة”.
ويكشف أنّ “اليوم، بات التّصدير من لبنان شبه معدومٍ، باستثناء ما يُصدَّر إلى العراق والّذي هو عبارة عن 4 أو 5 شاحنات يوميًّا، تَنقل ما بين 200 إلى 300 طنّ من المنتجات الزّراعيّة، في حين كنّا بالسّابق نصدّر 3 آلاف طنّ منتجات زراعيّة إلى مختلف الدّول العربيّة”، مبيّنًا أنّ “أبواب التّصدير أُقفلت أمام المزارع اللّبناني، وفي المقابل لم تَسع الدّولة إلى توسيع الأسواق اللّبنانيّة. والدوّل الّتي كانت تستورد منتجات لبنانيّة، باتت ترسِل منتجاتها إلينا، وأصبح الميزان التّجاري لصالحها أكبر بكثير ممّا هو بالنّسبة لبلدنا”.
ويشدّد على أنّ “التّصدير يواجه عقباتٍ عدّة، أبرزها الضّرائب الّتي ندفعها على الطّرقات البرّيّة إلى سوريا أو الأردن أو العراق، إقفال السّعوديّة لأسواقها أمام المنتجات اللّبنانيّة منذ نحو 3 سنوات، وإقفالها أيضًا طريق الترانزيت أمامنا إلى الدّول العربيّة الأخرى؛ وهذه من أصعب العقبات الّتي واجهناها منذ 50 عامًا تقريبًا”.
المأساة الزّراعيّة أرخت أيضًا بثقلها على مزارعي الجنوب، الّذين خسروا جنى عمرهم بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 9 أشهرٍ على القرى الجنوبيّة ولا سيمّا الحدوديّة منها، سواء عبر القذائف المدفعيّة أو قنابل الفوسفور الأبيض المحرّمة دوليًّا. ويشير التّرشيسي في هذا السّياق، إلى أنّ “الكساد تكرّر في مناطق مختلفة لا سيّما في الجنوب، حيث عانى المزارعون الأمَرَّين، بسبب اضطرارهم أحيانًا إلى قطف المزروعات في وقتٍ مبكر، جرّاء القلق والخوف من عدم التمكّن لاحقًا من الوصول إلى أراضيهم نتيجة العدوان الإسرائيلي”.
ويؤكّد أنّ “أحدًا من المسؤولين لم يطرح أيّة حلولٍ لمعالجة المشاكل وتذليل العقبات الّتي نواجهها، أو لمساعدة المزارع اللّبناني ومساندته وتثبيته في أرضه. بل لا تزال المشاكل تتفاقم، وآخرها توقّف المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان “إيدال” عن دعم الصّادرات الزّراعيّة في بداية تمّوز الحالي”.
في ظلّ شبه انعدام أسواق التّصدير، منافسة المنتجات المهرّبة أو المستورَدة، الكساد في المواسم، التدنّي في الأسعار والإهمال الرّسمي، وفي كنف دولةٍ فاشلةٍ وعاجزةٍ تبرّأت من مسؤوليّاتها وأبرزها دعم المواطنين وتسيير أمورهم… هل سيتكرّر مشهد رَمي الخضار والفواكه على الطّرقات اللّبنانيّة؟ أم سيتحرّك المعنيّون لمجابهة الكارثة الّتي ألمّت بالمزارعين؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |