كأنّ إيران انتخبت رئيسًا للبنان!


خاص 8 تموز, 2024

الثنائي الشيعي الذي يقف عقبة أمام انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، فرح لانتخاب الرئيس الإيراني. وإذا كان من عبرة داخلية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية فهي أنّ لبنان الذي يرزح تحت النفوذ الفارسي بفعل “الحزب” لا يحظى بحرية إنجاز الاستحقاقات الدستورية

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

احتفل الثنائي الشيعي بانتخاب مسعود بزشكيان رئيساً تاسعاً لإيران. وبدا الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري في مواقفهما بعد إعلان فوز بزشكيان وكأنهما يبتهجان بحدث كما لو أنّ الامر يتعلق بانتخاب رئيس للبنان. علماً، أنّ هذا الثنائي كان ولا يزال العقبة الرئيسية لانتخاب الرئيس الرابع عشر للبنان.

إذا كان من عبرة داخلية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية فهي، أنّ لبنان الذي يرزح تحت النفوذ الفارسي بفعل “حزب الله”، لا يحظى بحرية إنجاز الاستحقاقات الدستورية. ومن يراجع المرحلة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وانتهاء زمن الوصاية السورية، يتبيّن له أنّ النفوذ الإيراني الذي حلّ مكان نظيره السوري بإدارة دفة الأمور في لبنان، أصبح يمارس طقوساً جديدة في التعامل مع الاستحقاقات في بلاد الأرز. وأبرز مثال على هذه الطقوس، ما جرى في آخر انتخابات رئاسية شهدها لبنان وكانت في العام 2016. في تلك الانتخابات التي انتهت بفوز العماد ميشال عون برئاسة الجمهورية تبيّن أنّ الفائز الاخر فيها كان نصرالله. فهو، وبعد شغور منصب الرئاسة الأولى في 24 أيار 2014 بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان أشهر خياره الرئاسي المتمثل بشريكه في تفاهم مار مخايل عام 2006 أي ميشال عون. واستطاع نصرالله بعد مرور عامين و4 أشهر أي في نهاية تشرين الأول 2016، رؤية عون رئيساً في قصر بعبدا. بالطبع، هناك شركاء في انتخاب عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية، وهنا قصة أخرى تستحق مناسبة أخرى للكتابة فيها.

لم تكن صدفة، أن يتوالى السبت الماضي على تهنئة الرئيس الإيراني الجديد كل من بري ونصرالله. فالأول، أي بري، أبرق للمرشد الإيراني علي الخامنئي مشيدا بـ”ممارسة الديمقراطية بأبهى صورها وتجلياتها”. أما الثاني، أي نصرالله، فقال في رسالته إلى بزشكيان: “إننا في حزب الله وفي جميع حركات المقاومة في المنطقة، وكجزءٍ من شعوبها التي تخوض منذ سنواتٍ طويلةٍ مواجهةً مفتوحةً مع قوى الاحتلال الصهيوني ومشروع الهيمنة الأميركية، نتطلع دائماً إلى الجمهورية الإسلامية في إيران كسندٍ قويٍّ وثابتٍ ودائم”.

من المفارقات أن ينبري رئيس مجلس النواب اللبناني إلى الإشادة بـ “ممارسة الديمقراطية بأبهى صورها وتجلياتها” في دولة ثيوقراطية أبصرت النور عام 1979 على يد رجل دين هو الإمام الخميني. في حين أن لبنان، الذي نال استقلاله عام 1943 كان من أوائل الدول الديموقراطية في الشرق الأوسط ، يعاني الأمرّين في زمن بري وهو يحاول إنجاز الانتخابات الرئاسية باللجوء إلى تطبيق الدستور وهو ذروة الممارسة الديموقراطية.
ومن المفارقات أيضاً، أن يتطلع نصرالله إلى دعم دولة أجنبية كي ينال دعمها لمواصلة الحروب التي يخوضها واخطرها حالياً في الجنوب ضارباً بعرض الحائط الجمهورية اللبنانية.

وفي المقابل، كان لافتاً من حيث التوقيت، ما صدر السبت الماضي عن أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين على هامش احتفال منح الجائزة الأدبية للسفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، حين تحدث عن الوضع في لبنان مشدداً على “أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، آملاً أن “يلعب المكون المسيحي دوراً ناشطاً على هذا الصعيد. ورداً على سؤال أحد الصحافيين بشأن الحوار مع المكون الشيعي قال إنّ “حزب الله” يلعب دوره السياسي ولديه مرشحه”، ولفت إلى أنّ “الحل يتطلب وجود مرشح يحظى بموافقة جميع الأفرقاء اللبنانيين”.

كما كان لافتاً أيضاً من حيث التوقيت موقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط، فهو استخدم كلمة “إرتقاء” في مقاربة “الملف الرئاسي”. فقال أنّ “حسم “هذا الملف” المثقل بالشروط والتناقضات المختلفة، يتطلب الارتقاء بالمسؤولية السياسية والوطنية”. ولا بدّ من التذكير بأنّ كلمة “ارتقاء” هي التي يعتمدها “حزب الله” في بياناته للإعلان عن مقتل عناصره في المواجهات الدائرة في الجنوب.

في انتظار جلاء غبار الداخل، والذي يتراكم منذ بداية تشرين الثاني عام 2022، عندما بدأ الشغور الرئاسي، من المفيد التوقف عند متابعتين إسرائيلية وأميركية لفوز المرشح الإصلاحي في إيران. ففي نبذة أوردتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” قالت إنّ بزشكيان ينحدر من مهاباد، لأب أذربيجاني إيراني وأم كردية إيرانية. وإذا كانت والدة الرئيس الإيراني الجديد كردية، ربما صار واضحاً موقف بزشكيان المتعاطف مع مهسا أميني الشابة الكردية التي قتلها النظام الإيراني قبل عامين ما أشعل احتجاجات عارمة غرقت فيها إيران طوال أشهر . ودعا بزشكيان آنذاك إلى إنشاء فريق تقييم وتوضيح لمعالجة الحادث، مشدداً على الحاجة إلى مراجعة شاملة. وفي مقابلة عام 2022، ذهب إلى حد إلقاء اللوم على النظام في وفاة مهسا أميني، قائلاً إنّ “سلوكنا يجعل الإيرانيين يكرهون الإسلام، ويجب علينا إعادة النظر في أساليبنا. لا يمكنك تطبيق الإيمان بالقوة”.

ومن يديعوت أحرونوت الى النيويورك تايمز، ففي تعليقها على فوز بزشكيان، كتبت تقول: “تمول إيران وتسلح وتدرب شبكة من الجماعات العسكرية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، فضلاً عن الجماعات المسلحة في العراق وسوريا. وقد ساعدت الشبكة، المعروفة في المنطقة باسم “محور المقاومة”، في تعزيز المصالح الاستراتيجية لإيران، سواء من خلال زيادة نفوذها أو العمل كدفاع أمامي. وعندما يتعلق الأمر بعداء إيران تجاه إسرائيل، فهذه مسألة تتعلق بسياسة الدولة الموضوعة على أعلى المستويات، والتي من غير المرجح أن يختلف عنها الرئيس القادم.”.

ماذا ينتظر لبنان وهو ينظر إلى هذا المشهد الانتخابي في معظم القارات؟ جواب لا يكف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس عن ترداده، كما فعل أمس في عظة الاحد. فهو قال: “إنّنا في لبنان نعيش أزمة حقيقة. فلا بدَّ من العودة إليها، أوّلًا لكي ينتخب المجلس النيابي رئيسًا للجمهوريّة وفقًا للدستور الواضح والصريح. لا نستطيع البقاء خارج إطار الحقيقة، والعيش في الكذب على بعضنا البعض، فيما وطننا يتلاشى أمام أعيننا بمؤسّساته الدستوريّة”.
ما لم يقله الراعي مباشرة، أتت تهاني الثنائي لمناسبة الانتخابات الرئاسية في إيران لتشير إليه مواربة. أليس في مديح انتخابات إيران أعلى مستويات التكاذب لبنانياً؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us