زَمَنُ القضاءِ على القضاء
مرحلة الانحدار القضائي و”زمن القضاء على القضاء”، بدأت في ظلّ العهد القوي، وتحديداً يوم أوقف الرئيس ميشال عون التشكيلات القضائية، لسببٍ واحد هو حماية غادة عون وإبقاؤها على رأس النيابة العامة في جبل لبنان، وحماية من أطلق عليهم “قضاة العهد”
كتب يوسف دياب لـ “هنا لبنان”:
عشيّة دخول العطلة القضائية حيّز التنفيذ يوم الإثنين المقبل، لا شيء يتغيّر على اللبنانيين، فالعطلة قائمة عملياً منذ بدأ القضاة اعتكافهم الشامل قبل أكثر من عامين، وتحديداً في 30 أيار 2022، واستمرّ حتى منتصف الشهر الأول من العام 2023، إذ كان تعليق الاعتكاف شكلياً، بعودة القضاة إلى العمل جزئياً أي بمعدل يوم أو يومين في الأسبوع الواحد.
لا شيء يتغيّر على اللبنانيين مع العطلة القضائية، سوى أنّ الدعاوى ستتكدّس أكثر ودوائر النيابات العامة وقضاة التحقيق والمحاكم تزداد اختناقاً بالملفات ليصبح تأجيلها خياراً لا مفرّ منه، طالما أنّ حقوق المتقاضين ليست أولوية، ولا تقف تداعيات الشلل القضائي عند ازدياد الدعاوى وكثرة المراجعات التي تبقى بلا جدوى، بل يرتفع معها عدّاد الموقوفين لتختنق بهم السجون أكثر فأكثر، خصوصاً وأنّ الهيئات الرقابية المفترض بها أن تراقب إنتاجية القضاة ومحاسبة المقصرين باتت معطلة بالكامل.
ما إن تنتهي العطلة القضائية منتصف أيلول المقبل، سيكون القضاء أمام مشهد مختلف غير مسبوق في تاريخه، فمجلس القضاء الأعلى الذي يعدّ رأس السلطة الثالثة يصبح منحلّاً بفعل انتهاء ولاية آخر خمسة من أعضائه، ليبقى الرئيس الأول القاضي سهيل عبود دون سواه في موقعه، وهي الأزمة الأكبر التي تعصف بالقضاء منذ تأسيسه، وتكاد تكون المرّة الوحيدة التي نشهد فيها انفراط عقد رأس هرم العدالة، إذ يستحيل إعادة بناء هيكليّة هذا المجلس قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولى إجراء التعيينات في كل المؤسسات بما فيها القضاء.
الوضع الكارثي في القضاء لا يقف عند مجلس القضاء رغم أهميته ورمزيته، بل سبقه إليه انفراط عقد الهيئة العامة لمحكمة التمييز والإمعان في ضربها جراء تعطيل التشكيلات القضائية الجزئية لمرتين متتاليتين، وتجميد المرسوم تارة عند وزير المال وطوراً عند وزير العدل، ما حال دون تعيين رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز، وهذه من الأسباب الجوهرية التي عطّلت التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على المجلس العدلي المعطّل كلياً منذ تكليف العضو الأصيل القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية، واستحالة تعيين أو تكليف البديل عنه.
الشلل اللاحق بالهيئات القضائية لم يستثنِ التفتيش القضائي، الذي بات معطلاً منذ إحالة رئيسه الأصيل القاضي بركان سعد على التقاعد قبل عامين، واللافت أن المجلس الأعلى للتأديب المرتبط عضوياً بالتفتيش القضائي بات معطلاً، بدليل أنّ هذا المجلس أخفق حتى الآن في عقد جلسة استجواب واحدة للقاضية غادة عون.
سئل قاضٍ بارز في مجلس خاص عن رأيه بحال القضاء اللبناني، فلخّص الجواب بكلمات أربع “القضاء ليست تحته تحت”، وكأنه يجزم بأنّ الوضع لم يعد مقبولاً، وهذا لا يعني المؤسسة بذاتها بل يفقد اللبنانيين ما تبقى من ثقة بهذه العدالة.
إذا ما استعرضنا الأسباب التي أوصلت القضاء إلى حالة التفكك القائمة، يمكن القول بأنّ مرحلة الانحدار القضائي و”زمن القضاء على القضاء”، بدأت في ظلّ العهد القوي، وتحديداً يوم أوقف الرئيس ميشال عون التشكيلات القضائية، لسببٍ واحد هو حماية غادة عون وإبقاؤها على رأس النيابة العامة في جبل لبنان، وحماية من أطلق عليهم “قضاة العهد” الذين أبلوا بلاء سيئاً من خلال ممارستهم لعملهم في المناصب الحساسة التي تسلموها وأخفقوا في إدارتها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سجناء أنصفتهم الحرب! | توقيف “عميل” زوّد “الموساد” بمعلومات عن “الحزب” | وكلاء سلامة مرتاحون لمسار التحقيق.. رُبّ ضارّة نافعة |