“ورقة تأمين” ينام عليها “حزب الله”
يخبئ “الحزب” “ورقة تأمين” نجح في الاستحصال عليها نتيجة جولات التفاوض غير المباشرة التي أدارها آموس هوكشتاين. وفي هذه الورقة، هو يكفل أنه لن يكون خاسراً في النهاية، أي في “اليوم التالي” للحرب، ولو كانت خسائره اليومية فادحة
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
هناك وضعية يحرص “حزب الله” على تثبيتها في الجنوب، ما دامت الحرب مستمرة في غزة. فهو إذ يرفض وقف الحرب هناك وإبرام اتفاق حول الترتيبات الأمنية، لكنه في المقابل يجهد لدى الوسطاء لمنع انزلاق الوضع إلى حرب واسعة وشاملة.
وفي الواقع، يخبئ “الحزب” “ورقة تأمين” نجح في الاستحصال عليها نتيجة جولات التفاوض غير المباشرة التي أدارها عاموس هوكشتاين. وفي هذه الورقة، هو يكفل أنه لن يكون خاسراً في النهاية، أي في “اليوم التالي” للحرب، ولو كانت خسائره اليومية، أي الظرفية، فادحة.
و”ورقة التأمين” هذه هي اتفاق شبه مكتمل حول الترتيبات الأمنية المفترض اعتمادها في الجنوب بعد الحرب، وقد وافق عليه الإسرائيليون و”حزب الله” بخطوطه العريضة، وتُركت تفاصيله الدقيقة إلى لحظة التوقيع، أي إلى أن تنتهي الحرب في غزة.
ولذلك، يتردد أن هوكشتاين، عندما غادر بيروت في المرة الأخيرة، لم يكن قلقاً من انفجار غير محسوب على الحدود بين لبنان وإسرائيل، لإدراكه أن الطرفين يفضلان الصفقة على الحرب. ولم يرشح من أي جهة ما يوضح طبيعة الاتفاق المنتظر، لكنه على الأرجح مناسب لـ “الحزب” أكثر من القرار 1701، إذ يتعاطى بمرونة أكبر مع دوره في الجنوب. وفي أي حال، هو لا يُلزِمه بالتراجع إلى ما وراء خط الليطاني.
يعني هذا أن “الحزب” الذي فُرض عليه القرار 1701 في لحظة ضعف نسبي، بعد حرب تموز 2006، إذ كان خارجاً للتوّ من مأزق انسحاب السوريين من لبنان، قد أصبح اليوم أقوى بكثير. ولذلك، هو نجح في تحسين شروطه على قوى الداخل والخارج. وبعدما أبرم بمفرده اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل، برعاية أميركية، في العام 2022، هو اليوم يلقي بشروطه على الطاولة، مقابل أي موافقة على وقف النار أو اتفاق على ترتيبات أمنية يمكن أن تؤسس لاتفاق على ترسيم الحدود البرية في وقت لاحق.
على مدى عقدين من الزمن، أي منذ خروج القوات السورية في العام 2005، نجح “حزب الله” في تثمير معادلات القوة التي يتمتع بها، سواء على أرض الجنوب أو داخل السلطة المركزية. وقد سمحت له عروض القوة المسلحة ضد إسرائيل، وانخراطه في الحرب السورية، بأن يفرض نفسه كصاحب القرار الأقوى داخل السلطة. كما أن امتلاكه للجزء الأكبر من السلطة الرسمية سمح له بالتفاوض منفرداً وعقد الاتفاق مع إسرائيل، برعاية أميركية. وهذا الرصيد من القوة السياسية والعسكرية سينعكس لمصلحته مجدداً داخل السلطة المتوقع نشوؤها في لبنان بعد انتهاء الحرب، في غزة والجنوب. فهذه السلطة ستكون عملياً في يد “الحزب”، لأن التسوية أو الصفقة التي سيتم إنتاجها في الجنوب ستراعيه وحده، ولن يؤخذ في الاعتبار موقع أي طرف داخلي آخر.
القاعدة الذهبية التي يفترض بالقوى الأخرى في لبنان أن تتفهمها هي أنّ العلاقات بين الدول والجماعات تقوم على المصالح لا المبادئ، أي على البراغماتية أو حتى الماكيافيلية، حيث الحق يكون إلى جانب الأقوى في أي حال. وفي لبنان، الوسطاء الدوليون لا يفاوضون إلا “حزب الله” ولا يأخذون على محمل الجد إلا تهديداته، وهذا الأمر منطقي لأنّ “الحزب” هو الوحيد القادر. وأما القوى الأخرى في لبنان فيستمعون إليها بروتوكولياً ومن باب الواجب لـ”يطيِّبوا خاطرها” لا أكثر.
ذات يوم، سئل ديبلوماسي غربي في بيروت: إذا أبرم “حزب الله” مع إسرائيل اتفاقاً يرضيها ويريح الولايات المتحدة والغرب، فهل يمكن أن يصبح “الحزب” مقبولاً في الغرب ويكافأ في الداخل اللبناني بمساعدته على تكريس موقعه في السلطة؟
الجواب كان: إذا قدم “الحزب” كل هذه التسهيلات، فبالتأكيد ستتبدل وجهة نظر الغرب إليه، لأنه يكون قد تَغيَّر أيضاً وبات منسجماً مع التسويات والحلول السلمية. وأما مسألة احتفاظه بالقرار الأقوى داخل السلطة في بيروت فهي أمر داخلي يقرره اللبنانيون أنفسهم، وما على القوى الدولية إلا أن تقبل بما يتوافقون عليه.
بناء على هذا التصور، يمكن فَهْمُ ما يفعله “الحزب” في الداخل. فهو لا يريد اليوم إنتاج تسوية سياسية، لكنه في المقابل لا يتنازل قيد أنملة عن شروطه السياسية الداخلية، ولا يتخلى عن مرشحه لرئاسة الجمهورية. وهو يعمل لإمرار المرحلة في هذه الوضعية، ريثما يأتي “اليوم التالي”. فالانتصار الذي سيعلن عنه في الجنوب، عندما تنضج الظروف، سيجيِّره مكاسب إضافية في الداخل. وحتى اليوم، لا يبدو في الأفق ما سيمنعه من ذلك.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |