الحوار قبل الاستحقاق الرئاسي ينسف عملية الإنتخاب .. والدستور سلاح في معركة المعارضة بوجه الهرطقات


خاص 19 تموز, 2024

إنّها معركة بين من يتمسّك بالدستور بحرفيّته وبين من يريد الانقلاب على النص وتكريس الأعراف، في حين أنّ المدخل إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد هو الالتزام بالنص، والتوافق يحضر متى تقرر هذا الالتزام أولاً

كتبت كارول سلوم لـ”هنا لبنان”:

مع مواصلة قوى المعارضة حراكها الرئاسي وفق خارطة طريق واضحة المعالم قوامها الالتزام بالعملية الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية، تعمد قوى الممانعة إلى توجيه سهام الانتقاد على هذه الخارطة، مستخدمة أساليب التشكيك وبثّ المغالطات والفبركات والهرطقات في سياق نسف أيّ محاولة تؤدي إلى اجتراح الحلول. فبتمسّك الثنائي الشيعي بحوار يرأسه رئيس مجلس النواب نبيه بري كممرٍّ إلزاميٍّ لإتمام الاستحقاق الرئاسي، تدفع بالملف برمته إلى المجهول وتضع مسألة الأنتخاب في مهب الريح لأنّ الهدف من التمسك بالحوار فرض مرشح الممانعة وإدارة الملف كما ترغب.

هي معركة تخوضها المعارضة لتثبيت أحقية اللجوء إلى الدستور من دون مواربة، فإذا كان الدستور واضحاً فلم القفز فوقه والتذرع بالتوافق. ومعلوم أنّ طرح المعارضة ركز على التشاور النيابي ولم يسقطه، وبالتالي تكمن المشكلة في رفضه التمسّك بحوار يتحول إلى بدعة تستخدمها قوى الممانعة لمصلحتها في خرق فاضح للنص، ومن هنا فإنّ المعارضة لن تقبل بهذا التوجه تحت أيّ ظرف كان، وهي ليست من محبذي الدخول في أي سجال مع أحد، إنما إذا كانت الغاية إظهار النية الحقيقية لخياراتها، فإنّها لن تتوانى عن ذلك.

من الواضح أنّ التمسك بالدستور هو الخيار الوحيد لدى المعارضة وهذا ما تجلى في خارطة الطريق، وتكرار هذا الأمر هو السلاح الأوحد في وجه أي كلام آخر.

ولكن ماذا يقول الدستور بالنسبة إلى المطالبة بالحوار كشرط لانتخاب رئيس الجمهورية، ولماذا كسر القاعدة الدستورية الأساسية في هذا الملف؟

يشير الخبير الدستوري الأستاذ سعيد مالك لموقع “هنا لبنان” إلى أنه بالعودة إلى القانون الدستوري والعرف الدستوري، من الثابت أنّ العرف الدستوري هو عبارة عن سلوكيات وتصرفات يطغى عليها طابع الثبات فتدخل في الاعتبارات الدستورية، واعتبر بعض الفقهاء أنّ العرف هو تكرار في مسألة ما بطريقة معينة، مع الاعتقاد بأنّ هذا السلوك أصبح ملزماً لهم قانوناً بأوضاع مشابهة، وبالتالي وبحال التسليم بضرورة وإلزامية الحوار قبل أي استحقاق انتخابي للرئاسة الأولى وتكرار هذا السلوك، سيدخل هذا التصرف في الاعتبارات الدستورية، بحيث يعتبر هذا السلوك قد بات ملزماً دستوراً مع كل انتخاب وفي كل استحقاق، وكذلك رأى العلامة جورج فيديل العميد الدستوري والمرجع الفقهي الأول في فرنسا أنّ السوابق والتي تبتعد عن القانون الوضعي، أي الدستور تشكل خرقاً للقاعدة القانونية المكتوبة، فالعرف حسب رأيه هو بمثابة تنازل عن فكرة الدستور في معناه الكلاسيكي، علماً أنّ فقهاء في القانون الدستوري والدستور قد ذهبوا أيضاً أبعد من ذلك، إذ اعتبروا أنّ العرف يمكن أن يلغي نصاً دستورياً، وبالتالي فإنّ العرف اليوم يكفي لتكوينه إضافة إلى العنصر المادي عنصراً معنوياً يتشكل عندما يتولد لدى الجماعة شعور بأنّ ذلك السلوك أصبح ضرورياً لأنه يمثل الحل ويصبح للعرف الدستوري دور تكميلي للدستور، وهذا ما يتظهر بشعور من الجماعة بضرورة الالتزام بالقاعدة العرفية والعمل بموجبها تحت عنوان عقيدة الالتزام .

ويرى مالك أنّ فرض الحوار قبل الانتخاب، يشكل عرفاً معدلاً للدستور، وذلك باستحداث قاعدة دستورية جديدة خلافاً للنص المكتوب في الدستور، مما يفيد أنّ طرح الحوار قبل الاستحقاق الرئاسي سيشكل مستقبلاً عرفاً معدلاً لأحكام الدستور وسينسف آلية انتخاب رئيس الدولة والمنصوص عنها في أحكام الدستور.

أما لجهة ما طرحه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حول إسقاط العرف بورقة مكتوبة يوقع عليها المعنيون، فهذه هرطقة دستورية، لأنّ العرف يتكون قبل كل شيء بقناعة وشعور الجماعة وتسليمهم بأنّ أي انتخاب يجب أن يسبقه حوار، فالورقة الخطية والوثيقة المكتوبة لا تحول دون تكوين العرف المعدل لأحكام الدستور، فإما أن نسلّم أنّ الدستور هو واجب التطبيق والقواعد الدستورية يجب احترامها وإما أن نستسلم لطروحات وهرطقات، هدفها خلق أعراف جديدة تناقض أحكام النص وروحيته .

إذاً إنها معركة بين من يتمسّك بالدستور بحرفيته وبين من يريد الانقلاب على النص وتكريس الأعراف، في حين أنّ المدخل إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد هو الالتزام بالنص، والتوافق يحضر متى تقرّر هذا الالتزام أولاً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us