تطويب بري وبطيخ عدلون
لا يزال هناك متسع من الوقت لكي ينال بري الثناء، لو أنه يقوم بنفسه بتحقيق “نبوءة” العشرة أيام فيبادر من تلقاء نفسه بفتح أبواب مجلس النواب كي ينطلق في جلسة مفتوحة بلا توقف كي يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كما أن هناك متسعاً من الوقت كي تعود بلدة عدلون مساحة لزراعة البطيخ الذي كان الأشهر من نوعه لجهة حلاوته بدلاً من تحويل البلدة مستودعاً للصواريخ
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
وسط ألسنة اللهيب في ميناء الحديدة اليمني التي بدا وكأنه نذير حريق سيشمل الشرق الأوسط، ما زالت أوساط الرئيس نبيه بري تردد عباراته “أعطوني عشرة أيام من الحوار بين الكتل النيابية كافة وخذوا إنجازًا للاستحقاق الرئاسي”. وأتت هذه العبارات في سياق المقابلة التي أجرتها صحيفة “أفنير” التابعة للكنيسة الكاثوليكية الإيطالية ونشرتها يوم الجمعة الماضي.
لم يقتصر المشهد الميداني على الحريق اليمني فحسب، بل إنّه امتد في اليوم نفسه، أي السبت الفائت إلى أنحاء عدة من جنوب لبنان وأبرزها بلدة عدلون الساحلية. ووفق المعلومات الرسمية، بقيت الحرائق الناجمة عن الغارة الإسرائيلية على البلدة تتصاعد حتى اليوم التالي أي أمس الأحد. ويعود السبب إلى أنّ الغارة استهدفت مستودع ذخائر ما أدى إلى وقوع انفجارات طالت أكثر من بلدة جنوبية مجاورة.
ما لم يكن في حسبان أوساط بري التي رددت ما صرّح به للصحيفة المقربة من الفاتيكان في سياق النشرة المسائية لقناة “أن بي أن” التلفزيونية التابعة للرئاسة الثانية، أن تقع الواقعة بعد النشرة على عدلون وأخواتها. وتقع البلدة على بعد كليومترات فقط من مقر بري في بلدة المصيلح الجنوبية أيضاً. وكان بإمكان المواطنين في البلدة أن يشاهدوا بأمّ العين حريق عدلون فضلاً عن أصوات الانفجارات التي تصم الآذان.
لو لم تنزلق المنطقة من البحر الأحمر حيث الميناء اليمني إلى البحر الأبيض المتوسط التي تمتد عدلون على شاطئه الشرقي، لكانت مقابلة بري الإيطالية تستحق الوصف بأنّها تنطوي على “نبوءات” يستحق مطلقها في حال تحققها أن ينال مرتبة مقدسة. فإلى جانب عبارة “أعطوني عشرة أيام من الحوار” أشهر بري إيمانه “بأنّ كل الطرق تؤدي إلى روما” بحسب أوساطه . وأثنى رئيس المجلس على “العلاقات الطيبة والصداقة مع الكرسي الرسولي الذي يولي إهتماماً خاصاً لإنتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما عبر عنه أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين خلال زيارته لبنان” وفق الأوساط نفسها. وأكمل بري نبوءاته التي نقلتها عنه الصحيفة الفاتيكانية بـ “استبعاد حصول عدوان إسرائيلي واسع على لبنان”.
ما حصل في عطلة نهاية الأسبوع في المنطقة أعاد إلى الواجهة خطر الحرب الشاملة مع الاحترام الكامل لما توقعه رئيس البرلمان اللبناني. فقد انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني غارة الجيش الإسرائيلي على ميناء يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، محذراً من أنّ “مغامرة إسرائيل الخطيرة” يمكن أن تشعل حرباً إقليمية. وقال كنعاني “أنّ إسرائيل ورعاتها – بما في ذلك الحكومة الأميركية “مسؤولون بشكل مباشر عن العواقب الخطيرة وغير المتوقعة لهجمات المغامرين على اليمن”.
وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنه إذا شرعت إسرائيل في “عدوان عسكري شامل” في لبنان، “فسيترتب على ذلك حرب مدمرة”. وقالت البعثة الإيرانية أيضاً في المنشور على X إنه في مثل هذه الحالة “جميع الخيارات ، بما في ذلك المشاركة الكاملة لجميع جبهات المقاومة ، مطروحة على الطاولة”.
في المقابل، قال وزير الخارجية يسرائيل كاتس إن رسالة إيران عن “حرب محو” تجعلها تستحق الدمار. وشدد كاتس في منشور على X أنّ “النظام الذي يهدد بالدمار يستحق التدمير”. وأفاد كاتس إن إسرائيل ستعمل بكل قوة ضد “حزب الله” المدعوم من إيران إذا لم يتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل من لبنان ويبتعد عن الحدود.
وقبل هذا التراشق الإيراني الإسرائيلي بالتهديدات بتوسيع رقعة الصراع قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو: “مثل حماس وحزب الله، يشكل الحوثيون جزءاً لا يتجزأ من محور الشر الإيراني. وهذا المحور لا يعمل ضد إسرائيل فحسب، بل يهدد السلام في العالم أجمع”. أما وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، فقال من ناحيته: “النار المشتعلة الآن في الحديدة يمكن رؤيتها في كل أنحاء الشرق الأوسط”.
ووسط ألسنة اللهب التي اندلعت في المنطقة، لا بد من باب الإنصاف العودة إلى صحيفة “أفنير” التي ربما بالغت في القول أن مقابلة بري هي الأولى له “بعد سنوات من الصمت”. فالأخير لا يتوقف عن الإدلاء بالتصريحات منذ عقود ، إلا إذا كانت الصحيفة الفاتيكانية تقصد بما قالته عن المقابلة بأنها الأولى من نوعها التي تنشر باللغة الإيطالية. وهكذا يمكن القول بكل ثقة “الحق ليس على الطليان”. وأهم ما نقلته الصحيفة عن بري قوله : “في قلبي هناك دائماً كلمات ووعد البابا”. ولما سأله مارينا بوبيلا ونيلو سكافو اللذان أجريا المقابلة عما يقصده بعبارة “كلمات ووعد البابا” ، أجاب بري: “أخبرني الأب الأقدس (نقلاً عما سمعه من الكاردينال بارولين) أنه بمجرد أن ينتخب برلماننا رئيساً جديداً، سيأتي إلى لبنان. نريد أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن”.
تشاء الأقدار ، وبالتزامن مع نشوة أوساط بري بما صرّح به لصحيفة “أفنير”، أن يرعى البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات بلدة بقاعكفرا، بمناسبة عيد مار شربل قديس لبنان والعالم، بقداس احتفالي أقيم في باحة كنيسة مار حوشب الأثرية بعد مسيرة صلاة على نية السلام في لبنان من أمام بيت القديس. وصرّح الراعي في المناسبة قائلاً :”لبنان أرض قداسة ووحدة بين المواطنين وأخوّة، وليس أرض حروب ونزاعات وقتل وتدمير وتهجير”.
لا يزال هناك متسع من الوقت لكي ينال بري الثناء، لو أنه يقوم بنفسه بتحقيق “نبوءة” العشرة أيام فيبادر من تلقاء نفسه بفتح أبواب مجلس النواب كي ينطلق في جلسة مفتوحة بلا توقف كي يتم خلالها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كما أنّ هناك متسعاً من الوقت كي تعود بلدة عدلون مساحة لزراعة البطيخ الذي كان الأشهر من نوعه لجهة حلاوته بدلاً من تحويل البلدة مستودعاً للصواريخ.
إذا ما تحققت هاتان “النبوءتان”، لا شك أنّ بري يستحق بعد طول عمر التطويب في الفاتيكان وفي كل مكان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
فستق حلبي يوم “الانتصار الإلهي” | فخامة بري ودولة “الحزب” | تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني |