ملفّ المرفأ.. الحجّار يلوّح بالتنحّي والبيطار مستعدّ لاستئناف التحقيق
الآمال المعلّقة على رجاء الإفراج عن التحقيق العدلي منذ تربّع القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية تتبخّر يوماً بعد يوم، وتكاد تنضب كلياً مع حلول الذكرى الرابعة للفاجعة، وثمّة ما يوحي بأنّ الحجّار بات أقرب الى الاستسلام باستحالة عودة التحقيقات إلى مسارها، وأنّ محاولات إحداث خرق في الجدار القانوني السميك باتت مستحيلة
كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:
تحلّ الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب المقبل، لتزداد معها مأساة أهالي الضحايا الذين تمعن السلطة في تعميق جراحهم وإبقائها مفتوحة على النزف، وتدفعهم إلى اليأس الكامل، عبر الامعان في قطع الطريق على عدالة طال انتظارها واستفحل أهل الحكم بنحرها لا بل بتفجيرها لتتطاير أشلاؤها تماماً كأشلاء الضحايا الذين لم يبق لهم ولذويهم سوى عدالة السماء.
الآمال المعلّقة على رجاء الافراج عن التحقيق العدلي منذ مجيء القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية تتبخّر يوماً بعد يوم، وتكاد تنضب كلياً مع حلول الذكرى الرابعة للفاجعة، وثمّة ما يوحي بأن الحجّار بات أقرب الى الاستسلام باستحالة عودة التحقيقات إلى مسارها، وإن محاولات إحداث خرق في الجدار القانوني السميك باتت مستحيلة، ما يعني أن القضية عادت إلى مربعها الأول، أي مربع التعطيل والفشل في الوصول إلى الحقيقة التي ينتظرها اللبنانيون منذ أربع سنوات.
عندما تسلّم الحجار مهامه كنائب عام تمييزي، لم تنقصه جرأة الاجتماع بالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، والبحث معه في التعقيدات القانونية التي تجمّد التحقيق منذ عامين ونيّف، وما إن انفضّ اللقاء الأول بين الرجلين سمع مقربون من الحجار عبارته الشهيرة “سأتوّج حياتي القضائية بعودة تحقيقات ملفّ المرفأ إلى مسارها الطبيعي، وأن يعرف اللبنانيون حقيقة ما حصل في الرابع من آب 2020″، متعهداً بالعمل مع المحقق العدلي على تفكيك العقد القانونية التي تقف في طريقه.
لكنّ أين أصبحت هذه الوعود؟، ولماذا لم تطلق عجلة التحقيق مجدداً رغم مضي خمسة أشهر على تسلم الحجار مهامه؟.
تعترف أوساط متابعة في قصر العدل في بيروت، بأن طريق الحجار “ليست معبّدة، وأن اللقاءات المتعددة التي جمعته بالبيطار سادتها أجواء الودّ والصراحة والمكاشفة، لكن لكلّ منهما مقاربته في كيفية استئناف التحقيق، وأن الرجلين لم يصلا إلى أرضيّة مشتركة تحقق الغاية المرجوّة، إلى أن جاء اللقاء الأخير الذي عقد الأسبوع الماضي، وأجهض أي أمل بالوصول إلى حلّ يؤدي إلى استئناف التحقيق من دون أن تعترضه عقبات قانونية وألغام سياسية”. وبحسب المعلومات التي حصل عليها “هنا لبنان”، فإن اجتماعاً عقد يوم الخميس الماضي بين الحجار والبيطار في مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وبحضور الأخير، انتهى إلى “فشل تام وإقرار صريح بانسداد الأفق على أي حلّ قانوني”. ووفق المعلومات عينها، فإن النائب العام التمييزي صارح البيطار بأن “المخرج الوحيد للأزمة يكمن في تجزئة الملف، أي إحالة الشبهات المتعلقة برئيس الحكومة السابق حسان دياب والنواب والوزراء على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإحالة الشقّ المتعلّق بالقضاة المدعى عليهم على محكمة خاصة وملاحقتهم وفق إجراءات قانونية محددة، ومن ثمّ المضي بالتحقيق العدلي بما يخصّ باقي المدعى عليهم من موظفين ومدنيين”. وتؤكد المعلومات الموثوقة أن البيطار “رفض بشكلٍ قاطع هذه الطرح باعتبار أن هذا الملفّ جزء لا يتجزّأ، وأن قرار مجلس الوزراء الذي أحال القضية على المجلس العدلي أسقط ضمناً الحصانة عن أي شخصية تحوم حوله الشبهات سواء كان رئيساً أو وزيراً أو نائباً أو مسؤولاً أمنياً، وإن الاجتهاد الذي وضعه (البيطار) في يناير 2023 لا يزال ساري المفعول ولا لزوم لرفع الحصانات عنهم، كما أن دعاوى الردّ والمخاصمة المقامة ضدّه لا قيمة لها، لأن المحقق العدلي لا يمكن ردّه أو مخاصمته”.
التطوّر الذي يسبق بأيام قليلة الذكرى الرابعة للانفجار، ستكون له تداعيات سلبية، لدى الأهالي وكلّ الساعين إلى معرفة الحقيقة، إلا أن مصادر مقربة من الحجار ترفض تحميل الأخير مسؤولية الإخفاق في استئناف التحقيق، وتؤكد بشكل قاطع لـ”هنا لبنان” أن مدعي عام التمييز “لن يقبل اتهامات من أي طرف بتعطيل التحقيق، وأنه ملتزم بما وعد به لجهة “تتويج مسيرته القضائية” باستكمال التحقيق والوصول إلى الحقيقة، لكن ليس وحده من يقرر ذلك”، وتعتبر المصادر نفسها أن “المرجع القضائي الأعلى، أي رئيس مجلس القضاء سهيل عبود يمكنه أن يلعب دوراً مساهماً في حلحلة العقد، لا أن يلقي الجميع باللوم على النائب العام التمييزي وكأنه وحده الذي يساءل ويحاسب”. وتلفت المصادر إلى أن الحجار “يمكن أن ينسحب من هذه المهمة بإعلان تنحيه عن القضية، ولديه الكثير من الأسباب القانونية والموضوعية لذلك، بينها صلة القرابة بينه وبين سلفه القاضي غسان عويدات وأنهما أبناء بلدة واحدة (شحيم)، كما أن هناك صلة قرابة بينه وبين زوجة المدعي عليهم في الملفّ”. وتشدد المصادر على أنه “ليس من عادة الحجار أن يهرب من المسؤولية، لكن على الآخرين أن يتعاونوا معه لا أن يتركوا له اجتراح الحلول في قضية معقدة للغاية”.
واستباقاً لـ 4 آب ثمّة معلومات متداولة في أروقة قصر العدل، تفيد بأن النائب العام التمييزي سيعلن موقفه، وقد يطلع الرأي العام على ما حصل خلال الأشهر الماضية التي سعى خلالها للإفراج عن التحقيق، فيما كشفت أوساط مطلعة في قصر العدل لـ”هنا لبنان”، أن البيطار “سيكون له موقف مهمّ يتخذه خلال الساعات المقبلة، وربما يعلن استئناف عمله، وتحديد مواعيد لاستجواب المدعى عليهم الذين لم يمثلوا أمامه بعد”. وتشير الأوساط نفسها إلى أن هذه الخطوة “ستكون الأخيرة في مسار الملفّ بعدها يعلن البيطار ختم التحقيق وإحالته على النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها بالأساس على أن يصدر بعدها القرار الاتهامي”. وتعتبر أنه “في حال امتنعت النيابة العام عن وضع المطالعة، فإن المحقق العدلي قد لا يتردد بإصدار قراره الاتهامي وإحالة القضية برمتها على المجلس العدلي، على أن يقرر الأخير ما إذا كانت إجراءات البيطار قانونية أم لا”.
في الشكل تبدو الخطوة مفهومة، وربما تصبح الخيار الوحيد والأخير الذي يملكه قاضي التحقيق العدلي، لكنها بالتأكيد ستفتح البلد على مشكلة كبيرة لا أحد يعرف كيف تنتهي وما هو أفقها، وهل ستقود إلى “طيّونة جديدة” أم لا؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سجناء أنصفتهم الحرب! | توقيف “عميل” زوّد “الموساد” بمعلومات عن “الحزب” | وكلاء سلامة مرتاحون لمسار التحقيق.. رُبّ ضارّة نافعة |