رئيس لبنان في خبر كان
الفريق الآخر الذي يعارض اليوم بدعة الحوار ومحاولة فرض “الحزب” مسخ الدولة من خلال بري كونه رئيساً لمجلس النواب، تراه عاجزاً عن تعديل أو التأثير في هذا المسار وتعديل موقف رئيس حركة أمل الذي يمسك بمفاتيح البرلمان السياسية والعملية
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
يبدو أنّ رئاسة الجمهورية أصبحت في خبر كان، فقد مضى على الفراغ نحو واحد وعشرين شهراً. هذا الفراغ الذي يسير على الطريق الذي سار عليه “نواب الأمة” عند انتخاب ميشال عون، بعدما استمر الفراغ سنتين وخمسة أشهر (ايار 2014 – تشرين الأول 2016). يومها فرض الفراغ “حزب الله” الذي لم يكن يحظى بالأكثرية النيابية فلجأ إلى تطيير النصاب على مدى أكثر من أربعين جلسة متكئاً على نواب عون الذين كانوا يزغردون غير مصدقين أن جنرالهم سيجلس على كرسي قصر بعبدا. واليوم يعارضون تهريب النصاب لأن زعيمهم الحالي ووريث الجنرال صهره جبران باسيل لم يتمكن من إقناع حسن نصرالله بدعمه للرئاسة. ليس هذا فقط، لا بل أنّ الاخير قرر دعم خصمه اللدود ومنافسه الشمالي سليمان فرنجية الذي يستمر في ترشيحه كما فعل حليفه السابق عون غير آبه بأنّ ليس لديه أكثرية، ولا بما بجري من حوله داخلياً وإقليمياً. والفارق هذه المرة أنّ فرنجية يحظى أيضاً بدعم نبيه بري الذي لم يؤيد عون للرئاسة، وأعلن يومها “الجهاد الأكبر”، وهو الذي ينظم اليوم المعركة ليس بتهريب النصاب، وإنما بعدم عقد جلسات انتخاب كما ينص الدستور، إذ عقدت آخر جلسة منذ أكثر من سنة (14 حزيران 2023) واخترع بري، الذي يجلس على كرسي رئاسة المجلس منذ اثنين وثلاثين سنة (1992)، فكرة الحوار قبل الرياسة وتمهيداً لها، علماً أنّ هذا الاعتبار ليس دستورياً ولا يلحظه الدستور، ولم يمارس لا قبل ولا في زمن رئاسة بري نفسه، إذ أنّ انتخاب إلياس الهراوي كان بقرار من النظام السوري بعد اغتيال رينيه معوض، وكذلك عند التمديد له كانت كلمة من قبل حافظ الاسد في مقابلة مع جريدة الأهرام المصرية كافية. وحصل الأمر نفسه عند انتخاب اميل لحود سنة 1998 وكذلك التمديد له عام 2004 غصباً عن أرادة بري نفسه والمغدور رفيق الحريري. ومنذ يومها باشر الثنائي الشيعي مسألة المماطلة وتأخير انتخاب الرئيس ستة أشهر (من تشرين الثاني 2007 إلى أيار 2008) تمهيداً لفرض إرادتهما في العملية الانتخابية علماً أن البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير سمى يومها، في سابقة لم يقم بها أي بطريرك، أسماء خمس شخصيات للرئاسة كي يتم الاختيار منهم نزولاً عند الحاح السياسيين ووسطاء من الخارج بضرورة التسمية، مع أنه رفض ذلك بقوة أكثر من مرة. مع ذلك لم يؤخذ بالتسمية واستمر الفراغ إلى أن حصل توافق على قائد الجيش ميشال سليمان. وكان قد سبق كل ذلك مباشرة الثنائي الشيعي بـ “ملء فراغ” انسحاب الجيش السوري من لبنان (26 نيسان 2005) باحتلال الوسط التجاري في نهاية سنة 2006، وشارك معهم التيار العوني ميدانياً على الارض بعد أن كان وقع معهم اتفاق 6 شباط، ولم يغادروا احتلالهم الساحات الذي دام سنة ونصف السنة إلا بعد اتفاق الدوحة في 21 أيار 2008. ونتج عنه انتخاب ميشال سليمان، وليس عن حوار وإنما عن مفاوضات الدوحة التي حصلت بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار وشملت أكثر من نقطة. كما ان انتخاب عون لم يحصل إلا بعد أن أيّده سعد الحريري كفريق سياسي وكتفاهم ثنائي وليس نتيجة حوار بين الفريقين أو بين الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان.
بالمقابل، الفريق الآخر الذي يعارض اليوم بدعة الحوار ومحاولة فرض “حزب الله” مسخ الدولة من خلال بري كونه رئيساً لمجلس النواب، تراه عاجزاً عن تعديل أو التأثير في هذا المسار وتعديل موقف رئيس حركة أمل الذي يمسك بمفاتيح البرلمان السياسية والعملية. غير ان المعارضة لا تلجأ على سبيل المثال إلى المواد 73 و74 و75 من الدستور الواضحة لجهة ضرورة التيام مجلس النواب حكما من دون دعوة ودون إبطاء، على أن يقوم النواب بعقد دورات متتالية لانتخاب رئيس من دون مغادرة المجلس. اي عملياً يتيح الدستور عقد جلسة لانتخاب رئيس إذا تمنع رئيس المجلس عن ذلك، وبالأخص طالما تتمتع هذه المعارضة بأكثرية نسبية. وهذا يتطلب بطبيعة الحال جرأة وإقداماً وكسراً للأنماط التقليدية. فالخطوة الأخيرة التي طرحتها كـ”حل وسط” بنقطتين واضح أنّ بري لن يقبل بها يريد ومعه نصرالله إما فرض مرشحهم أو المراوحة في التلطي وراء حرب غزة ولو أنهم ينكرون ذلك. وفي حال عاد دونالد ترامب إلى البيت الابيض فعندها ستبقى حرب غزة مستمرة كما يريد نتنياهو، وبالتالي جبهة لبنان مفتوحة بحجة أن لا وقف لإطلاق النار في غزة. أما المطالبة بإعلان حالة الطوارئ وتسلم الجيش الوضع في الجنوب فهي خطوة جيدة ومطلوبة ولكنها تأخرت كثيراً!
مواضيع مماثلة للكاتب:
التحدّي ينتظر “الحزب” في نهاية الـ60 يومًا | إيران تفاوض.. فمن يوقع عن لبنان؟ | برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! |