جنوب ما بعد الحرب
إنّ جنوب ما بعد الحرب يجب ألا يكون كما كان قبلها والمسألة لا تحتمل تأويلاً لأنّ الخيار محسوم بين توجهين فإمّا ساحة وإما واحة
كتب بسام أبو زيد لـ”هنا لبنان”:
من الصعب حالياً الحديث عن كيف سيكون الوضع في جنوب لبنان وفي لبنان ككل بعد الحرب، لأنّ لا أحد يعلم التسوية التي سترسو عليها الأمور فإن استمرت الحرب على ما هي عليه اليوم ستكون التسوية بحجم تداعيات هذه الحرب، ولكن إن توسعت الأعمال العسكرية بين حزب الله وإسرائيل لتصبح حرباً شاملة فإنّ التسوية ستكون جذرية هذه المرة أي أن لا تسمح بأي شكل من الأشكال في اندلاع حرب عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية مجدداً.
رغم كل الكلام المتداول عن أَنّ أبناء الجنوب لا يهتمون للحرب ونتائجها المدمرة وخسائرها في الأرواح والممتلكات، فالحقيقة هي على العكس من ذلك تماماً.
لا يريد إبن الجنوب الحرب وكذلك كل أبناء لبنان، فالمنطق يقول بأن لا أحد يقبل أن يهدم منزله وتدمر ممتلكاته وتحرق أراضيه ويقتل أهله وأبناؤه، وهم يتطلعون للعودة إلى قراهم وبلداتهم وإعادة بناء ما تهدم واستعادة الحياة الطبيعية هناك على أمل أن لا تحصل حرب جديدة وهم يعانون منذ نكبة فلسطين في العام ١٩٤٨.
في التاريخ اللبناني الحديث يمكن الكلام بوضوح عن نكبة أبناء الجنوب أيضاً على الأقل منذ أن اعتمد اتفاق القاهرة مع الفلسطينيين في العام ١٩٦٩ على أمل تحرير فلسطين، ودفع الجنوبيون ثمن الإعتداءات والإجتياحات الإسرائيلية إلى أن خرجت منظمة التحرير من لبنان.
لم تتوقف نكبة الجنوب هنا، فالإحتلال الإسرائيلي لم يترك الجنوبيين في حالهم ولذلك كانت المقاومة التي أخرجت الإحتلال في العام ٢٠٠٠ واعتقد الجنوبيون أن نكبتهم قد انتهت ولكنهم عادوا إلى كابوس الحرب في تموز من العام ٢٠٠٦ ليشهد الوضع بعدها فترة هدوء دامت ١٧ عاما فأعتقد الجنوبيون أن الهدوء المستدام قد حل في ربوعهم، ولكن حساباتهم لم تتطابق مع حسابات أصحاب الحل والربط فامتد الطوفان من فلسطين إلى لبنان ليعيش الفلسطينيون واللبنانيون نكبة مشتركة.
من يضمن إذاً عدم استمرار نكبة الجنوب؟
وحدها الدولة القادرة على القيام بذلك، دولة تمسك بقرار الحرب والسلم وبأرض الجنوب ولا تتحرك إلا وفق المصلحة اللبنانية فقط، لا وفق مصلحة وعقيدة ومشروع أي غريب كان، وانطلاقاً من المصلحة اللبنانية تتمكن هذه الدولة من استعادة أي حق لبناني مسلوب لأنها ستجد جميع اللبنانيين والعالم إلى جانبها في قضية محقة لا أحد بإمكانه أن يتجاهلها.
إنّ جنوب ما بعد الحرب يجب ألا يكون كما كان قبلها والمسألة لا تحتمل تأويلاً لأنّ الخيار محسوم بين توجهين فإمّا ساحة وإما واحة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تنفيذ ١٧٠١ محكوم بقرار “الحزب” | يحقّ لنا أن نسأل | رابطة الدم في الجيش أقوى من كل الروابط |