“أماني” إيران وحريق لبنان
بدا لبنان على أرض الواقع هو الضحية المؤكدة لما سيحل على رأسه في الآتي من الأيام، ولم يصدر من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ما يشير إلى أنّ الرد سيكون على صانع الصاروخ الذي استهدف مجدل شمس أي إيران، وإنما سيستهدف الرد من أطلق الصاروخ أي “الحزب” بحسب الاتهام الإسرائيلي
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
دخل لبنان في آخر أيام شهر تموز الجاري مفترقاً خطراً يعيد إلى الأذهان ما وقع في الشهر نفسه عام 2006.
فقبل 18 عاماً وقعت حرب إسرائيل على لبنان والتي وصفت بأنها الحرب الإسرائيلية الثانية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. فهل تكون “الثالثة ثابتة” كما يقول المثل؟
ما يبرر هذا السؤال أنّ إسرائيل حملت “حزب الله” المسؤولية عن استهداف مجدل شمس في الجولان السوري المحتل بإطلاق صاروخ إيراني الصنع ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. واكتفى “الحزب” برفض الاتهام، لكنه لم يضف أي تفاصيل.
وبدا المشهد في اليوم التالي بعد مجزرة مجدل شمس يتمحور حول توقيت الرد الإسرائيلي على “الحزب” وحجم الرد. وبدأ العد العكسي لهذا الرد بعد اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي عصر أمس برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي عاد على عجل من الولايات المتحدة الأميركية التي زارها الأسبوع الماضي.
وقبل أن ينطلق الرد الإسرائيلي، وصل على عجل أيضاً ما يشبه الضوء الأخضر الأميركي بعث به وزير الخارجية أنطوني بلينكن الذي قال “إنّ هناك مؤشرات تذكر على أنّ الصاروخ الذي أصاب ملعباً رياضياً يلعب فيه أطفال كرة القدم أطلقه “حزب الله”. كما قال “إنّ واشنطن متمسكة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. لكن بلينكن أعلن أنّ واشنطن “لا تريد مزيداً من التصعيد في الصراع في جنوب لبنان”.
أما من ناحيته، فقد تلقى “الحزب” على ما يبدو ما يفيد من معلومات أنّ المواجهة مع إسرائيل آتية على نطاق أوسع مما هي حالياً.
ومن هنا جاء قول مصدرين أمنيين لرويترز “إنّ “حزب الله” في حالة تأهب قصوى وقام بشكل استباقي بتطهير بعض المواقع الرئيسية في جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي تحسبا لهجوم إسرائيلي محتمل”.
تشاء الظروف أن يتم إشعال “عود الكبريت” لتأجيج الصراع، كما قال أحد المعلقين، من خلفية ارتباط الحرب الثالثة المحتملة بالدروز الذين كانوا بالأمس ضحايا الهجوم الصاروخي على مجدل شمس. تماماً، مثلما حصل في حرب تموز 2006 والتي أشعلها “عود ثقاب” السعي إلى تحرير الأسرى في السجون الإسرائيلية وعلى رأس هؤلاء الأسرى سمير القنطار الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية.
وسط كم المعلومات الكبير الذي تراكم منذ شيوع نبأ مجزرة مجدل شمس، أطل الاتهام الإسرائيلي لإيران بأنّ الصاروخ الذي تسبب بوقوع المجزرة هو إيراني الصنع. وسارع سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجتبى أماني في لبنان عبر منصة “إكس” إلى كتابة الاتي: “بغض النظر عن المسرحية التي افتعلها النظام الصهيوني قبل ساعات؛ لا زالت اللاءات التلاث تختصر موقفنا إزاء التهديدات بتوسع الحرب على لبنان والمنطقة:
– أولاً، لا نتوقع شنها ونعتبر أنّ فرصها ضئيلة جداً بسبب معادلات القوة المفروضة.
– ثانياً، لا نريدها لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائماً ما تسعى للتخفيف من حدّة التوترات في المنطقة.
– ثالثاً، لا نخافها بكل ما للكلمة من معنى، ولأعدائنا أن يتخيلوا ماذا بإمكاننا أن نفعل بما لدينا من قوة واقتدار ودفاع عن المقاومة” .
تطلب مسار الأحداث إيراد تغريدة السفير الإيراني بنصها الحرفي. وستكون معطيات هذه التغريدة في واجهة الاهتمام من الآن فصاعداً. وستتجه الأنظار إلى ما إذا كانت الحرب الإسرائيلية ضد لبنان ستتوسع أما لا . فاذا لم تتوسع، سيكون السفير اماني موفقا في تغريدته. لكن اذا ما نشبت الحرب الموسعة ، ستتجه الأنظار الى ما سيكون عليه موقف طهران التي ستمارس ما لديها من “قوة واقتدار ودفاع عن المقاومة”، لمواجهة الحرب المحتملة كما قال اماني في تغريدته.
بدا لبنان على ارض الواقع هو الضحية المؤكدة لما سيحل على رأسه في الاتي من الأيام. ولم يصدر من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ما يشير الى ان الرد سيكون على صانع الصاروخ الذي استهدف مجدل شمس أي ايران. وانما سيستهدف الرد من اطلق الصاروخ أي “حزب الله” بحسب الاتهام الإسرائيلي. وبلغ تهديد نتنياهو ل”الحزب” حد القول إن الاخير “سيدفع ثمنا غاليا، وهو ثمن لم يدفعه حتى الآن” . ولقي اتهام نتنياهو اسنادا من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ وهو غير محسوب سياسيا على رئيس حكومة الدولة العبرية فاتهم “حزب الله” بأنه “هاجم وقتل بوحشية” أطفالا في هجوم صاروخي على مرتفعات الجولان.
غير ان الموقف الرسمي الذي عبّر عنه الرئيس نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال هو مماثل تماما للنعامة التي اتقت العاصفة بدفن رأسها في الرمال. وفعل بري الامر نفسه عندما تلقى اتصالاً من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، فقال “أن لبنان ومقاومته ملتزمان بالقرار 1701 وبقواعد الإشتباك بعدم استهداف المدنيين… وان نفي المقاومة لما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يؤكد بشكل قاطع هذا الإلتزام وعدم مسؤوليتها ومسؤولية لبنان عن ما حصل” . اما الحكومة الميقاتية فاعلنت في بيان، إدانتها “كل أعمال العنف والاعتداءات ضد جميع المدنيين”، ودعوتها إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية على كل الجبهات”. ويحتاج المرء في هذا السياق الى الاستعانة بمعجم ديبلوماسي يفسر عبارة وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب التي رجّحت أن تكون ضربة مجدل شمس “من تنفيذ منظمات أخرى أو خطأ إسرائيليا أو خطأ من حزب الله!” لكن في العموم بقيّ الموقف الرسمي تحت سقف “حرية” الجبهة التي فتحها “الحزب” من دون إستئذان الدولة في 8 تشرين الأول الماضي غداة عملية طوفان الأقصى في غزة.
في موازاة ذلك، تلقى النائب السابق وليد جنبلاط اتصالاً هاتفياً من الموفد الأميركي الى منطقة الشرق الأوسط آموس هوكشتاين. واختار الأخير جنبلاط وحده دون سائر الشخصيات اللبنانية ليعرب له عن “قلقه من تطورات الوضع على جبهة جنوب لبنان في ضوء حادثة مجدل شمس” وفق النبأ المرافق للاتصال. وما لم يفصح عنه هذا النبأ اسهب موقع “اكسيوس” الالكتروني الأميركي في شرحه في اطار ما هو متوقع من تطورات. فقد قال مسؤول أميركي للموقع :”ما حدث اليوم يمكن أن يكون الزناد الذي كنا قلقين بشأنه وحاولنا تجنبه لمدة 10 أشهر”.
وذكر “اكسيوس” ان الإدارة الأميركية ، تشعر منذ أشهر بالقلق من أن كلا من إسرائيل و”حزب الله” يخطئان في الحسابات بينما يصعدان خطابهما ويقاتلان على الأرض بينما يعتقدان أن بإمكانهما تجنب حرب شاملة. كما يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق أيضا من أنه بدون وقف إطلاق النار في غزة، فإن الحرب بين إسرائيل و”الحزب” أصبحت أكثر احتمالا، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية وجر الولايات المتحدة إلى عمق الصراع.
ما يستفاد من “اكسيوس” واما المح اليه هوكشتاين لجنبلاط، هو موقف متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض الذي وصف الهجوم على مجدل شمس بأنه “مروع”. لكنه حرّك في المقابل فكرة الحل الديبلوماسي للنزاع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية قائلا ان واشنطن “ستواصل دعم الجهود الرامية إلى إنهاء هذه الهجمات الرهيبة على طول الخط الأزرق(في جنوب لبنان)، والتي يجب أن تكون أولوية قصوى”. فهل هناك وراء الاكمة ما ورائها؟
وما لم يجاهر به “اكسيوس” وقبله هوكشتاين هو ان ايران ستكون معفاة من الضربة المحتملة ضد لبنان. اما السفير الإيراني مجتبى اماني فكأنه استبق المحظور باطلاق “التمنيات” لا اكثر ولا اقل. وما ضير في ورود “اماني” في تغريدة عبر العالم الافتراضي فيما أحوال العالم الفعلي في مكان آخر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |