ليوناردو دافنشي يتقلب في قبره.. متى تعود فرنسا إلى أصالتها؟
خيط رفيع يفصل بين الحريّة المطلقة من أي قيد، والحريّة المسؤولة تجاه محكمة الرأي العام التي تراقب وتحاسب وتحب أو تكره.. والمشهد الفرنسي المقرف، غيّر صورة فرنسا بنظر الكثيرين ومن بينهم الشعب اللبناني والمسيحي على وجه التحديد، الذي اعتبر فرنسا على مدى عقود “الأم الحنون”
كتب بشارة خيرالله لـ”هنا لبنان”:
لعل أسوأ المشاهد على الإطلاق هو مشهد الاستهزاء بالعشاء السري، أو العشاء الأخير عند المسيحيين، مع انطلاقة الاولمبياد في باريس، حيث تحولت فرنسا إلى موطن الحريّات على حساب كرامة الناس وعلى حساب مشاعرهم الدينية وعلى حساب معتقداتهم المقدسة.. عن أي حريّة نتكلم عندما تتحول حريّتنا الترويجية إلى انتهاك الخصوصية واستفزاز المسيحيين تارةً والمسلمين تارةً أخرى.
والمشهد المقزز هذا، سرق الأضواء بشكلٍ سلبي، وأفرغ الحدث الفرنسي الأبرز من مضمونه، ووضع نظام الحكم في فرنسا، القيّم على وجهة الأولمبياد في موقع الخصم للبشرية التي تؤمن بالحريّة المسؤولة التي تمارس حريّتها من دون المس بمشاعر الناس أو بمعتقداتهم.
خيط رفيع يفصل بين الحريّة المطلقة من أي قيد، والحريّة المسؤولة تجاه محكمة الرأي العام التي تراقب وتحاسب وتحب أو تكره.. والمشهد الفرنسي المقرف، غيّر صورة فرنسا بنظر الكثيرين ومن بينهم الشعب اللبناني والمسيحي على وجه التحديد، الذي اعتبر فرنسا على مدى عقود “الأم الحنون” حيث يجد اللبناني ملاذه الآمن في دولة لطالما كانت المثل الصارخ والواضح في احترام الذوق العام.
الاعتذارات لا تكفي، والاكتفاء برمي الاتهامات على اللجنة المنظمة لم يعد ينطلي على أحد.. إنها سياسة عامّة تهدف إلى تدمير المجتمعات، وهي أيضًا حرب ثقافية بين ثقافة الخير وثقافة الشرّ.. سواء كانت الحرب على المعتقدات المسيحية أو الاسلامية لا فرق..
وعليه، لا بد من مواجهة هذه الأفكار الغريبة عن مجتمعاتنا، فالحريّة على حساب كرامة الشعوب ليست حريّة والسكوت سقوط.
هل تُدرك اللجنة المنظمة للأولمبياد مدى الإساءة للمشاركين قبل غيرهم، وهل تدرك كم تشوهت صورة فرنسا من خلال صورة الأولمبياد القذرة، وهل تُدرك كم حفرت في جراح الشعب الطيب الذي كان يحب فرنسا ويرى فيها أبرز رموز الحضارة.
سقطت فرنسا في الامتحان وتشوهت صورتها أمام العالم، وردود الفعل الشاجبة والمستنكرة تؤكد من دون أدنى شك أن ما قبل الافتتاح البشع ليس كما بعده وعلى الإدارة السياسية في فرنسا مسؤولية كبيرة لترميم صورتها وهذا ما يتطلب جهدًا جبّارًا فيما لو توفرت إرادة تصحيح الخلل الذي أوصل فرنسا إلى هذا الدرك.
المليارات المرمية على ضفاف نهر السين لا تكفي لمحو صورة الإساءة إلى تاريخ فرنسا أولًا وإلى نظام الحكم في فرنسا وإلى غالبية بشرية تُقدِّس الحريّة التي تقف عند حدود مشاعر الناس..
صورة يسوع المسيح أكبر بكثير من أن تمسّها حفنة من شذّاذ الآفاق، ولا يعتقدن أحد ان الإساءة أصابت قدسيّته، بقدر ما أصابت تاريخ فرنسا المجيد وصورتها البهيّة التي كانت مطبوعة في الأذهان، وأصابت في طريقها الفنان الإيطالي العظيم ليوناردو دافنشي الذي رسم أشهر لوحة على مر العصور، لوحة العشاء الأخير سنة 1495.
مواضيع مماثلة للكاتب:
رجالات الحرب.. رجالات العام | الـ1701: قرار دولي أم جهاز أيفون؟ | كأننا في الـAvant Premiere.. الفيلم لم يبدأ بعد |