ما هو السقف الأعلى لردِّ “الحزب”؟
الردود على الضربات الإسرائيلية ستبقى تحت سقف مضبوط، بين عدم القدرة وعدم الرغبة، في بيروت وطهران وغزة. وهذا ما سيسمح لنتنياهو بالتصعيد سياسياً وعسكرياً، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي جرى التخطيط لها، أي وقف القتال “المزعج” على خط التماس بين لبنان وإسرائيل، والتفرغ للحسم في غزة
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
من الخطأ الاعتقاد أنّ الضربات الصاعقة التي تنفذها إسرائيل اليوم ضد قيادات الصف الأول في “حزب الله” و”حماس” و”الحرس الثوري الإيراني”، هدفها الثأر للفتيان الـ12 الذين قضوا في مجدل شمس. وحقيقة الأمر هي أنّ القرار الإسرائيلي بتنفيذ هذه الضربات الصاعقة كان متخذاً منذ أشهر. وعندما حصل بنيامين نتنياهو على التغطية الأميركية التي يريدها في واشنطن، من الإدارة والحزبين الجمهوري والديموقراطي، قرر إطلاق العنان لضرباته. وقد جاء الصاروخ الغامض المصدر في الجولان بمثابة ذريعة له، لا أكثر.
وأساساً، لا يقيم نتنياهو وزناً كبيراً للأشخاص في سلوكه السياسي وقراراته العسكرية. فهو منذ أشهر لا يستجيب لأهالي أكثر من 100 مخطوف يهودي لدى “حماس”، يدعونه إلى وقف الحرب في غزة وإجراء عملية تبادل، لأنّ حساباته السياسية والأمنية هناك تقتضي استمرار القتال. ولذلك، هو اليوم لا يسدّد ضرباته الموجعة، من بيروت إلى طهران، وربما دمشق، انتقاماً لـ12 فتى عربياً درزياً من الجولان، بل هو ينفّذ قراراً اتخذته الحكومة الإسرائيلية بوقف الحرب الحدودية التي يصر عليها “حزب الله”، وتوفير الأمن لسكان المنطقة الشمالية وإعادتهم إلى منازلهم قبل الخريف. وبمعنى آخر، يريد نتنياهو إجبار “الحزب” على وقف الحرب بالقوة ما دام يرفض الاستجابة إلى ذلك بالمساعي الديبلوماسية. ومن الدلائل أيضاً إلى عدم ارتباط الضربات بواقعة مجدل شمس، اغتيال رئيس المكتب السياسي في “حماس” اسماعيل هنية في هذا التوقيت. فهو جاء من خارج السياق تماماً.
بالتأكيد، لا يريد نتنياهو حرباً واسعة خطرة وغير مجدية مع “حزب الله”. وهو يدرك أنّ “الحزب” نفسه يشاركه الخوف من مغامرة التوسيع. ويتجرأ نتنياهو على تنفيذ ضرباته ما دام رد “الحزب” سيبقى تحت سقف معين. ولأن الإسرائيليين لم يضربوا في لبنان أهدافاً مدنية كالمرافق العامة والمصالح الاقتصادية، فـ”الحزب” يبدو مجبراً أيضاً على حصر رده بالأهداف العسكرية الإسرائيلية دون سواها. ولذلك، هو لن يستهدف “كاريش” مثلاً أو المراكز الاقتصادية الحيوية في حيفا أو سواها… وإذا فعل ذلك، فإنه سيبرر للإسرائيليين قيامهم بضرب المرافق الحيوية في بيروت، كبقعة المطار مثلاً، وهو الأمر الذي يتجنبه الجميع، بمن فيهم نتنياهو مراعاة لطلب الولايات المتحدة والأوروبيين والعرب.
لكن الأميركيين الذين يطلبون تحييد بيروت، يقفون بوضوح مع إسرائيل ضد “حزب الله”. وتحذيراً له، يتردد أنهم سيرسلون مجدداً بوارجهم إلى المنطقة المقابلة للشاطئ اللبناني. وهذا ما سيجبر “الحزب” على الانضباط تحت سقف معين، في أي رد على الإسرائيليين.
إذاً، الجهات التي استهدفتها إسرائيل في الأيام الأخيرة، ستبقى ردودها “مضبوطة”:
1- “حزب الله” سيلتزم الرد على الأهداف العسكرية فقط، كما يفعل منذ 9 أشهر… إلا إذا استطاع اعتماد قاعدة “العين بالعين والسن بالسن”، ورد باغتيال مسؤول عسكري إسرائيلي، في داخل إسرائيل أو خارجها. وحتى الآن، لم يظهر أنّ هذا الأمر سهل التحقيق تقنياً.
2- “حماس”، باغتيال هنية، ستندفع إلى تصعيد أكبر في غزة. لكن قدراتها هناك محدودة. وهذه المرة أيضاً، كما في عمليات الاغتيال الكبيرة السابقة، قد لا تسمح إمكاناتها بالرد نوعياً على الإسرائيليين.
3- الإيرانيون الذين أعلنوا رغبتهم في الثأر لهنية، لأنّ الاغتيال تم على أراضيهم، سيبحثون عن ردٍّ يحفظ لهم ماء الوجه، خصوصاً إذا ثبت دور إسرائيل في قصف الهدف الإيراني في حي السيدة زينب في دمشق أمس.
لكن أعلى سقف يمكن أن يصل إليه الإيرانيون هو الذي ظهر في نيسان الفائت، عندما ردوا على ضرب إسرائيل لقنصليتهم في العاصمة السورية واغتيال قادة بارزين من الحرس الثوري، إذ وجهوا مئات الصواريخ والمسيرات إلى العمق الإسرائيلي. لكن عمليتهم بقيت شكلية إلى حد بعيد، إذ تعمدوا إبلاغ إسرائيل مسبقاً بالضربة وطبيعتها وموعدها، ما أتاح لها التصدي لها وتجنب الخسائر تلمادية والبشرية.
بناء على هذه التوقعات، يمكن الاستنتاج أن الردود على الضربات الإسرائيلية ستبقى تحت سقف مضبوط، بين عدم القدرة وعدم الرغبة، في بيروت وطهران وغزة. وهذا ما سيسمح لنتنياهو بالتصعيد سياسياً وعسكرياً، برعاية أميركية استثنائية في الأشهر الأخيرة من ولاية جو بايدن، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي جرى التخطيط لها، أي وقف القتال “المزعج” على خط التماس بين لبنان وإسرائيل، والتفرغ للحسم في غزة وفق الرؤية الإسرائيلية. فالملف الفلسطيني هو هدف إسرائيل الحقيقي، وأما القتال مع لبنان فليس سوى ملهاة يجب وقفها في أقرب ما يمكن، بالقوة العسكرية أو بالمفاوضات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سيُخلي “حزب الله” فعلاً جنوب الليطاني؟ | صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً |