“حياة أم موت”.. حياة اللبناني بين الحرب والسهر


خاص 2 آب, 2024

التناقض الذي يعيشه اللبناني اليوم هو أمر طبيعي خاصة وأنه في اليوم الواحد تشهد البلاد ضربات إسرائيلية في المقابل هناك من يسهر ويحضر المناسبات والحفلات. فهل نعيش حياتنا وكأنّ شيئاً لم يكن، أم نحزن؟

كتبت هانية رمضان لـ “هنا لبنان”:

على مدار عقود، عاش اللبنانيون تحت وطأة نزاعات وحروب متكررة تركت آثارها العميقة على المجتمع بأسره، لكنهم أثبتوا، ورغم كل التحديات والصعوبات، قدرة استثنائية على التكيف والتغلب على المصاعب. ففي خضم الأزمات المتواصلة، من الحروب الأهلية إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية وصولاً إلى حرب الجنوب، بقي الشعب اللبناني رمزًا للصمود والقوة النفسية. كما تواصلت الحياة في المناطق الآمنة من البلاد بشكل طبيعي، حيث تُقام الحفلات والمناسبات الاجتماعية. حتى بات هذا التباين يثير تساؤلات حول طبيعة الحياة في لبنان وقدرة السكان على التكيف مع واقع متعدد الوجوه.

ومن هنا نطرح السؤال الآتي: كيف تمكن اللبنانيون من خلق توازن بين التحديات والاحتفالات، وكيف يعكس هذا التوازن مرونتهم وقوة إرادتهم في مواجهة واقع معقد ومتنوع؟

التأقلم: طبيعي أم لا؟

عندما نتحدث عن التأقلم مع الأزمات والنزاعات، تبرز تساؤلات عديدة حول ما إذا كان هذا التأقلم طبيعيًا أم لا. في الواقع، التأقلم هو عملية نفسية واجتماعية تهدف إلى تمكين الأفراد من التعايش مع الظروف الصعبة وإكمال حياتهم بشكل طبيعي قدر الإمكان. لكن، هل يمكن اعتبار التأقلم في سياق الحرب والنزاعات أمرًا صحيًا؟

اعتبرت المتخصصة في علم النفس ميرنا حنبلي في اتصال مع “هنا لبنان”، أن التأثيرات النفسية تختلف بين اللبنانيين بسبب الحروب المتكررة ولكن يمكننا التحدث عن استمرار التأثير على الأطفال من خلال الصعوبات التعلمية و التأخر في النمو العاطفي كذلك اضطرابات النوم المتعلقة بالقلق أو الاكتئاب السلوكي والتوتر الذي قد تزيد نسبته بين اللبنانيين بسبب الأحداث.

وتابعت حنبلي أن هناك صدمات عاطفية تتعلق بفقدان الأشخاص أو الأشياء، ولا بد من الإشارة إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) نتيجة تعرض اللبنانيين لأحداث عنيفة مثل القصف، الاشتباكات والنزوح .

هذه التأثيرات، بحسب حنبلي، يمكن أن تتفاقم مع مرور الوقت إذا لم يتوفر الدعم النفسي والاجتماعي الكافي للبنانيين.

وتحدثت حنبلي عن أن التباين في التجارب اليومية بين المناطق الهادئة والمناطق المتأثرة بالنزاع قد يؤدي إلى شعور بالذنب لدى الأشخاص الناجين الذين يسكنون في مناطق هادئة، بحيث يرون أنهم لا يعيشون نفس الظروف التي يعيشها الآخرين تحت العنف والدمار، خاصة أنهم قادرون على ممارسة حياتهم الطبيعية والوصول إلى احتياجاتهم الأساسية.

أما بالنسبة إلى اللامبالاة التي قد يشعر بها الأفراد في المناطق المتأثرة بالنزاع اعتبرت حنبلي سبيها تكرار العنف ما يؤدي إلى تبلد عاطفي كوسيلة دفاعية يستخدمها الفرد للتأقلم مع الوضع الصعب.

وأكدت حنبلي أن الظواهر النفسية تحتاج إلى وعي وتفهم من المجتمع والدولة، إضافة إلى برامج دعم نفسي وإجتماعي للتخفيف من الآثار السلبية على الأفراد وتعزيز الشعور بالتضامن الاجتماعي، معتبرةً أنّ التعود على النزاع يمكن أن يؤدي إلى نوع من القبول أو التكيف مع الظروف، و هذا الأمر له تأثيرات إيجابية وسلبية، فمن التأثيرات الإيجابية زيادة قدرة الشخص على الصمود في مواجهة التحديات، وزيادة قدرته على التعامل مع الأحداث المفاجئة، كذلك الضغوط النفسية و البيئية. فمثلاً سكان جنوب لبنان والمناطق الساخنة اعتادوا سماع ما يُعرف بجدار الصوت ، حتى باتوا يطلقون النكات أو المزاح حول الموضوع وهذا ينعكس بشكل إيجابي على الجماعة.

أما بالنسبة للتأثيرات السلبية للتعود على النزاع، تابعت حنبلي، منها القبول السلبي للظروف كأمر واقع، كذلك تدهور العلاقات الشخصية والإجتماعية، ولا يمكننا غض النظر عن زيادة التوتر والقلق لدى الأفراد، حيث أن الأهل سينقلون القلق أو التوتر لأطفالهم، لكن بالمقابل هناك أشخاص قد يوصلهم التعود على النزاع إلى التبلد العاطفي، ما يؤثر على التعبير عن مشاعرهم أو الإحساس بمشاعر الآخرين.

في لبنان نعيش مسألة “حياة أم موت”، ففي حين أن عددًا من النجوم قرروا إلغاء حفلاتهم، هناك من قرر عدم التراجع عن موعد اللقاء بالجمهور، وهذه هي حال الشعب اللبناني الذي احتار بين العيش بفرح أو القلق بانتظار جدار صوت أو انفجار أو حرب، فالتناقض الذي يعيشه اللبناني اليوم هو أمر طبيعي. فهل نعيش حياتنا وكأنّ شيئاً لم يكن، أم نحزن؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us