الضاحية تنزح قبل انتقام السيد
في انتظار ما سيقوله نصرالله غداً، بدا أنّ سكان الضاحية قد “قرأوا المكتوب من عنوانه” كما يقال. فهم، وبناء على خبرة ما جرى في حرب تموز 2006 يدركون أنّ “الانتقام” الذي توعد به “السيد”، وكشفت مضمونه طهران، يعني أنّ الضاحية ستكون مجدداً الضحية المباشرة للمواجهة مع إسرائيل. ولا داعي للتفصيل في الثمن الذي سيدفعه لبنان عموماً من أجل حفظ ماء وجه نظام الخامنئي الذي تلقى ضربة في عقر مقر الضيافة في العاصمة الإيرانية
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
عندما يُطلُّ الأمين العامّ لـ “حزب الله” حسن نصر الله غداً الثلاثاء ، في الاحتفالِ التكريميِّ لمناسبةِ مرورِ أسبوعٍ على اغتيال القائدِ البارز في “الحزب” فؤاد شكر سيكون عدد كبير من سكان الضاحيةِ الجنوبيّةِ لبيروت قد غادرها. وفي الوقت نفسه سيبقى كثيرون في الضاحية لن يغادروها إلى أي مكان في الوقت الحاضر.
في هذا الوقت، من المتوقع أن يأتي الهجوم الإيراني على إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية في إيران الأسبوع الماضي في وقت مبكر من اليوم الإثنين، كما قال ثلاثة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين لمراسل موقع “أكسيوس ” الأميركي باراك رافيد أمس الأحد.
بعد الغارة الإسرائيلية التي أدت الأسبوع الماضي إلى مصرع شكر في الضاحية الجنوبية هدد نصرالله بالانتقام. لكنه لم يحدد موعداً لذلك.
من يعيش في الضاحية التي تقدر مساحتها بـ 28 كيلومتراً مربعاً يعلم كم هي صغيرة. وهي لا تقارن على الإطلاق بمساحة طهران التي تبلغ 686 كيلومتراً مربعاً. لذلك، لم ترد أنباء أنّ سكان العاصمة الإيرانية حزموا حقائبهم لمغادرتها بعد توعد المرشد بمعاقبة إسرائيل على اغتيالها هنية. لكن الأمر في الضاحية مختلف بعدما أطل نصرالله في تشييع شكر. وكان من أبرز الذين غادروا الضاحية السكان الذين أتوا إليها من البقاع. ولن يجد هؤلاء صعوبة في العودة إلى السهل الفسيح لا سيما في منطقتي بعلبك والهرمل. لكن الأمر يختلف مع الذين يتحدرون من الجنوب الذي تحول منذ 8 تشرين الأول الماضي إلى منطقة خطرة عندما أعلن نصرالله مشاغلة إسرائيل عسكرياً.
طفت على السطح ولا تزال مشكلة الذين قرروا النزوح من الجنوب أو من الضاحية إلى مناطق الجبل القريبة. فتبين أن إيجار مسكن مؤقت لا طاقة لكثيرين على تحمله. وهذا ما دعا رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط إلى المطالبة بالتعاطي مع “النزوح من الجنوب وفقًا للقيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية التي يتمتع بها أبناء الجبل، وبروحية التكافل الاجتماعي والأهلي”. كما أصدرت مفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي بياناً دعت فيه “جميع المالكين والمعنيين إلى مراعاة المعدلات الطبيعية لأسعار إيجارات الشقق والمنازل “. وأتى تدخل الاشتراكي على هذا الصعيد متزامناً مع قيام رئيسه السابق وليد جنبلاط بتقديم التعازي في الضاحية لقيادة “الحزب” بمصرع شكر.
ما زالت ذكريات حرب عام 2006 حاضرة في أذهان الكثيرين لا سيما في المناطق التي يعتبرها “حزب الله” منصة لأعماله العسكرية . واندفع مئات الألوف من سكان تلك المناطق من أقصى الجنوب إلى الضاحية إلى النزوح إلى كل أصقاع لبنان طلباً للأمان حتى لو اقتضى الأمر افتراش العراء . لا أحد يعلم الآن ما سيحل بالمناطق التي ستكون عرضة لردات الفعل في حال نشبت المواجهات بين “الحزب” وإسرائيل خارج قواعد الاشتباك التي تمسك بها “الحزب” قبل 10 أشهر.
باستثناء القليل من الكلام الذي خرج إلى العلن من الإعلام المحسوب على “الحزب” حول مشكلة النزوح ، ركز هذا الإعلام ولا يزال على ما تصادفه إسرائيل من مصاعب نتيجة التهديدات بالانتقام التي انطلقت من إيران وعمت كل أنحاء محور الممانعة لا سيما لبنان. وكان لافتاً أنّ إيران تولت بالنيابة عن لبنان توجيه التهديدات لإسرائيل. وحددت طهران الأثمان التي يجب أن تستعد الدولة العبرية لتسديدها بفعل ما يعتزم “الحزب” القيام به في “الميدان” كما توعد نصرالله. ومن غرائب غياب الدولة اللبنانية ما صدر عن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة التي تصرفت وكأنها الناطقة باسم لبنان. فقد أوردت شبكة سي بي إس نيوز الأميركية ما قاله لها السبت الماضي حصرياً متحدث باسم البعثة الدائمة لجمهورية إيران الإسلامية لدى الأمم المتحدة. وقال هذا المتحدث الذي لم تذكر الشبكة اسمه :”إن هجوم النظام (الإسرائيلي) على الضاحية في بيروت واستهداف مبنى سكني يمثل انحرافاً عن حدود (المشاغلة). ونتوقع أن يختار “حزب الله” في رده أهدافاً أوسع وأعمق، ولن يقتصر على الأهداف والوسائل العسكرية فقط”. ورداً على سؤال لتوضيح أين قد تكون هذه الأهداف، قالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة للشبكة الأميركية إنها ستكون داخل أراضي إسرائيل.
ومن نيويورك إلى بيروت ، فقد حددت السفارة الإيرانية ماذا على الجيش اللبناني أن يفعله. فقد كتبت السفارة ، في منشور على حسابها عبر منصة إكس، فقالت أنّ “المواجهة البطولية التي خاضها ضباط وجنود الجيش اللبناني في بلدة العديسة الجنوبية في الـ 3 من آب من العام 2010، هي مدعاة للفخر وتكريس معمّد بالدم للمعادلة الذهبية التي تسيّج الحدود”. وأكدّت أن “هذه الحادثة هي تحذير متجدّد لمن تسوّل له نفسه الاعتداء على أي شبر من الأرض اللبنانية، بأن لبنان كُله لن يتسامح إزاء ذلك وأن اليد التي ستمتد إلى هذا البلد ستُقطع”.
يطول الحديث حول ما تعلنه طهران باسم لبنان. لكن أحداً في الدوائر الرسمية في حكومة تصريف الأعمال، أو في رئاسة البرلمان ، كلف نفسه سؤال من يعود إليه إمرة البعثة الإيرانية في نيويورك أو السفارة في بيروت :”من أعطاكم الإذن أن تتحدثوا باسم لبنان؟”
في انتظار ما سيقوله نصرالله غداً، بدا أنّ سكان الضاحية قد “قرأوا المكتوب من عنوانه” كما يقال. فهم، وبناء على خبرة ما جرى في حرب تموز 2006 يدركون أنّ “الانتقام” الذي توعد به “السيد”، وكشفت مضمونه طهران، يعني أنّ الضاحية ستكون مجدداً الضحية المباشرة للمواجهة مع إسرائيل. ولا داعي للتفصيل في الثمن الذي سيدفعه لبنان عموماً من أجل حفظ ماء وجه نظام الخامنئي خامنئي الذي تلقى ضربة في عقر مقر الضيافة في العاصمة الإيرانية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |