على وقع طبول الحرب حالة “سكيزوفرينيا” يعيشها المغتربون بين السفر والبقاء في لبنان


خاص 6 آب, 2024

بعدما كان يعمّ التفاؤل بصيف واعد، جاء شبح الحرب ليثني المغتربين عن العودة فألغى كثيرون حجوزاتهم، كما برزت الهجرة الداخلية لا سيما من الضاحية الجنوبية التي تعج بالنازحين الجنوبيين، إذ أن ضربة حارة حريك أعادت إحياء ذاكرة حرب تموز حيث قام العديد من السكان بمغادرة منازلهم للإحتماء في مناطق بعيدة نسبياً عن الضاحية المهددة بالتدمير على شاكلة غزة


كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:

“مشوار رايحين مشوار” شعار وزارة السياحة للعام 2024 ينطبق على المغتربين والسياح القادمين إلى لبنان والهاربين منه بعد أن بدأت طبول الحرب تقرع، وبدأت عقارب الساعة تدنو من اشتعالها وسط المخاوف والترقب للرد العسكري من قبل إيران وأذرعها في المنطقة لا سيما “حزب الله” في لبنان بعيد اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
خوف وقلق يعتري اللبنانيين المغتربين الذين حضروا لقضاء عطلة الصيف من معظم دول العالمين الغربي والعربي بعد التحذيرات العاجلة لتي أطلقتها الدول والسفارات لرعاياها بضرورة ترك لبنان والعودة نظراً لحساسية الوضع الأمني وإمكانية نشوب حرب موسعة وشاملة، ووسط الضغط النفسي الإسرائيلي الذي يمارسه عبر خرق جدار الصوت بشكل يومي فوق العاصمة بيروت ومعظم المناطق من جهة والقصف المتواصل في الجنوب اللبناني.
بين الحيرة والقلق والخوف على مصير أهاليهم يتخبط هؤلاء المغتربون الذين باتوا يقضون عطلتهم الصيفية دقيقة بدقيقة بإنتظار ما قد يحصل، إلا أنّ بعضهم آثر الرحيل والعودة إلى البلد الذي قدم منه كي لا يخسر عمله أو يفوت رحلته بسبب إلغاء وتأجيل بعض الشركات لرحلاتها في حال حصلت الحرب ومع إمكانية إقفال مطار رفيق الحريري الدولي المهدد من قبل إسرائيل بقصفه كأول مرفق حيوي بعد أن انتشرت منذ بعض الوقت إشاعات بأنه يحوي مخازن أسلحوة تعود لحزب الله وأنّ الطائرات الإيرانية تغط فيه محملة بالأسلحة والذخائر التي يتم تفريغها من دون علم الدولة اللبنانية أو بغطاء من الحزب الذي يسيطر على المنطقة المحيطة بالمطار.
موقع “هنا لبنان” كان له جولة على المغتربين حيث سمع رواياتهم المتعددة حول قلقهم ورعبهم من الآتي، فيما عبّر بعضهم عن عدم الخوف ونية البقاء في لبنان على الرغم من التهديدات ويقول “يسوانا ما بيسوا أهلنا”.
“لينا مروة” إبنة الجنوب القادمة من أستراليا قضت 15 يوماً من إجازتها في لبنان لكنها آثرت تقديم سفرها ودفع مبلغ إضافي كبير لتذكرة السفر كي لا تخسر عملها الذي ينتظرها في ملبورن. وقالت لموقعنا أنّ تحذيرات السفارة الأسترالية من عدم تحمل مسؤولية إعادة من يريدون البقاء في لبنان أخافتها وفضلت قطع إجازتها والعودة نظراً للتجربة المريرة التي عاشتها مع أولادها خلال حرب تموز في العام 2006. وأضافت لينا أنها ليست مسرورة بمغادرتها وكانت تريد قضاء عطلتها وسط أهلها وأصدقائها لكنها تفضل عودة آمنة على أن تكون “مبهدلة” .
أما “شارل صعب” الذي يدرس في فرنسا وتنتظره جامعته فقد اضطر والده بسبب صعوبة إيجاد أماكن على الطائرات إلى شراء تذكرة سفر جديدة بمبلغ 1600 دولار إلى اليونان ومن ثم إلى باريس، ويعتبر هذا المبلغ غير عادي نظراً لعدم قبول شركة الطيران التي حجز فيها بتقديم موعد الرحلة التي ألغيت أساساً، وأشار إلى أنه كان يريد البقاء لتمضية إجازته مع أصدقائه الذين حضروا مشاريع سهرات وبحر وجبل إلا أنّ الوضع غير مطمئن وقد يخسر فصله الدراسي في حال حصلت الحرب.
قصص كثيرة يرويها هؤلاء المغتربون لا سيما الشباب ومنها المضحك ومنها المبكي. لين سلام وزوجها تحضرا لزيارة لبنان قادمين من الرياض في السعودية وقد استقلا الطائرة التي كانت ستقلع في نفس الوقت الذي تعرضت له الضاحية الجنوبية للقصف فما كان من والدتها إلا الاتصال بها لنقل الخبر وطلبت منها الخروج من الطائرة وعدم القدوم إلى لبنان مع أنها كانت بانتظارهما على أحر من الجمر وهكذا حصل. إلا أنّ الزوجين قد حجزا تذكرة جديدة في اليوم الثاني بعد أن خسرا ثمن تذاكرهما السابقة وسافرا إلى لبنان من أجل حضور زفاف صديقة لهما وكانا قد حجزا في لبنان مكان الإقامة وفضلا عدم الخسارة أيضاً. وقد شارك الزوجان في حفل الزفاف وعبرا عن فرحهما الكبير لإتخاذ القرار بالمجيء وهما سيبقيان لقضاء الإجازة وحضور الفعاليات والحفلات التي حجزوا لها مسبقاً.
أما غادة واكيم الوحيدة في لبنان بسبب عملها من دون أفراد عائلتها الذين اضطرتهم الظروف إلى طلب العلم والعمل في قطر والولايات المتحدة وإسبانيا، فقد أصر أبناؤها بعد التطورات الحاصلة بضرورة التوجه إليهم وحجز تذكرة سفر بمبلغ كبير بعد أن ألغوا حجوزاتهم إلى لبنان.
هذه القصص والروايات هي غيض من فيض مما نسمعه يومياً بعد أن كان التفاؤل بصيف واعد يعم لبنان ومناطقه، ومقابل السفر إلى الخارج ومع تزايد وتيرة الخوف من الرد على عمليات الإغتيال والرد الإسرائيلي، برزت كذلك الهجرة الداخلية لا سيما من الضاحية الجنوبية التي تعج بالنازحين الجنوبيين، إذ أن ضربة حارة حريك أعادت إحياء ذاكرة حرب تموز حيث قام العديد من السكان بمغادرة منازلهم للإحتماء لدى أصدقاء وأقارب في مناطق بعيدة نسبياً عن الضاحية المهددة بالتدمير على شاكلة غزة.
وفي معلومات لموقع “هنا لبنان” أنّ حزب الله ومن باب الحرص واليقظة وليس من باب التهويل أو التخويف كما قال قد وجه تعليمات للأهالي بأنّ الأمور قد تتدحرج ويتوسع نطاق الرد والرد المتبادل ليطال مناطق عديدة ولذلك يجب التقيد بعدد من الإرشادات لا سيما المحافظة على الهدوء بحال تعرض الضاحية للقصف، وعدم التجمهر مكان القصف، وإبقاء النوافذ مفتوحة لتجنب الضغط نتيجة الإنفجارات والإبتعاد عن الأشياء المعرضة للسقوط وتأمين مستلزمات الحياة من الأدوية والأغذية وتجنب التنقل على الطرقات وغيرها من الأمور نظراً لخطورة الوضع . وكأنّ هذه التوجيهات قد تحمي الناس من قصف الطائرات الإسرائيلية التي تحول المباني إلى ركام في لحظات.
وفي الوقت نفسه أكدت مصادر مقربة من “حزب الله” أنّ بعض المسؤولين في الحزب قد أبلغوا المحيطين بهم وعائلاتهم وأصدقاءهم المقربين بضرورة إخلاء منازلهم تحوطاً من الرد الإسرائيلي في حال قام الحزب بالرد على إغتيال شكر والمدنيين الذين إستشهدوا. وبالفعل فإنّ بعض العائلات قد غادرت إلى منازل مستأجرة في الجبل والشوف وجبيل لا سيما في عاليه وبحمدون وريفون والقماطية والبقاع وغيرها من المناطق الآمنة نسبياً. هذا في ظل شكوى العديد من المواطنين لا سيما مناصرو الحزب والنازحون من الجنوب والذين خسروا منازلهم هناك أيضاً من عدم القدرة على مغادرة منازلهم في الضاحية بسبب غلاء الإيجارات وإستغلال بعض الناس للوضع القائم كما أنهم يهمسون سراً بأنهم تعبوا من مسألة التهجير والنزوح والخسارات المتكررة نتيجة خيارات حزب الله.
هي حالة “سكيزوفرينيا” أو إنفصام يعيشها اللبنانيون على وقع التصعيد الأمني وبإنتظار الرد الموعود الذي قد يدخل البلاد والمنطقة في حرب لا تحمد عقباها بعد أن تكثفت التحضيرات والإستعدادات الإحترازية من قبل الحكومة تحسباً لأي تطورات قد تطيح بكافة الجهود الديبلوماسية التي تبذل من قبل العديد من الدول منذ 10 أشهر ولم تجد أي صدى إيجابي حتى الساعة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us