الممانعون ينتظرون الرد كما يتخيلونه
أطلقت مرحلة انتظار الرد مخيلة داعمي “الحزب” وأنصار الممانعة الذين يعتقدون أنّ إيران وذراعها اللبنانية يمسكان بزمام الوضع ويضعان إصبعهما على الزناد ويتلاعبان بأعصاب إسرائيل والمنطقة برمتها، غير أنّ ما يسرح في مخيلة الممانعين في لبنان يشطح بهم ويأخذهم بعيداً عن توجه طهران التي قررت أن تلجأ إلى القضاء وتترك لميليشياتها دور إشعال الفتن هنا وهناك
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
يعيش اللبنانيون، وربما بعض العرب، حالة انتظار قلقة وثقيلة ومزعجة ناتجة عن إعلان أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله وإيران الرد على إسرائيل التي اغتالت قبل أكثر من أسبوع القائد العسكري الأهم في “حزب الله” فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية. ويتحضر “حزب الله” للرد موحياً بأكثر من احتمال وملمحاً إلى أكثر من توقيت وأكثر من هدف، وكذلك إيران إذ أكد خامنئي بأنه أعطى تعليماته بضرورة الرد “لتلقين إسرائيل ضربة موجعة لا تنساها”، وتكون أقوى وأوسع من الرد الذي تلقته إسرائيل في 14 نيسان الماضي رداً على تدميرها القنصلية الإيرانية في دمشق وذهب ضحيتها قائد فيلق القدس في “الحرس الثوري” محمد رضا زاهدي. ولكن مرور هذا الوقت الطويل نسبياً على الردّ طرح أكثر من تساؤل واستفهام ما دفع أكثر من بلد وعاصمة إلى التدخل لمحاولة إقناع إيران و”حزب الله” بعدم الرد أو على الأقل أن يكون الرد مدروساً ومحدود الأهداف والزمان كي لا يثير رداً على الرد من قبل إسرائيل، وربما يتحول إلى حرب شاملة تعم المنطقة.
وأول المحاولين هي الولايات المتحدة التي تسعى كي يلتزم الطرفين “ضبط النفس” مع تأكيد واشنطن أنها في حال لزم الأمر ستدعم إسرائيل. وكثرت التكهنات حول من يكون البادئ بالرد إيران أو “حزب الله”؟ أو ما إذا كان نصرالله ينتظر القرار من طهران على اعتبار أنّ “حزب الله” سيكون على الأرجح هو المبادر إلى الرد لأن إطلاق أي صاروخ من لبنان لا يتطلب على أبعد تقدير أكثر من ثلاثة دقائق فيما إطلاق أي صاروخ إيراني بالستي، كما تقدر إسرائيل، يستهلك نحو اثني عشر دقيقة، ما سيمكن تل أبيب من أخذ كل الاحتياطات اللازمة لجعل الرد غير ذي تأثير. فيما كثرت التكهنات والتأويلات حول كيفية حصول عملية اغتيال هنية في عقر دار طهران، وشكلت تحدياً لجهاز أمن الحرس الثوري الذي كان المسؤول والمنظم لحضور هنية ولاحتفالات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
في المقابل، تستمر إسرائيل في عملياتها اليومية على قياديين ومسؤولين من “حزب الله” الذين يتم اصطيادهم واحداً واحداً إذ تم قبل يومين اغتيال خمسة مسؤولين في بلدة ميفدون قضاء النبطية، وقبل ذلك بيوم قيادي من فرقة “الرضوان” علي جمال الدين جواد. علماً أنّ نصرالله كان قد أعلن في كلمته ما قبل الأخيرة أنّ “عمليات المشاغلة” اليومية مع إسرائيل ستستمر، ولا علاقة لها بالرد على اغتيال شكر. واللافت أن نصرالله في كلمته الأخيرة الثلاثاء أكد أنّ “ايران ملتزمة بالقتال بعد اغتيال هنية ولكن ليس المطلوب منها الدخول في قتال دائم”. وهذا يعني أنّ الدور الإيراني سيقتصر على رد ما. غير أنّ طهران ليست على استعداد للدخول في حرب مع إسرائيل، فيما تبدو حماس منشغلة باختيار خليفة هنية ما أدى إلى خروج الخلافات الداخلية إلى العلن، وبروز دور وقوة يحيى السنوار الذي يسيطر على الميدان في غزة وسيحكم الآن قبضته على قيادة الحركة عبر ترؤس المكتب السياسي المركزي، ووصوله يعني تأجيج الحرب في غزة.
وقد أطلقت مرحلة انتظار الرد مخيلة داعمي “حزب الله” وانصار الممانعة الذين يعتقدون أنّ إيران وذراعها اللبنانية يمسكان بزمام الوضع ويضعان إصبعهما على الزناد ويتلاعبان بأعصاب إسرائيل والمنطقة برمتها والغرب وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ البعض منهم يتكلم عن “تراجع العدو عن موقع المبادر مهابة من “حزب الله”، ويفترض بالقوى “التي تدور في فلك الفكرة الخمينية” أن تبادر إلى رد الصاع صاعين على العدو. غير أنّ ما يسرح في مخيلة الممانعين في لبنان يشطح بهم ويأخذهم بعيداً عن توجه طهران التي قررت أن تلجأ إلى القضاء وترفع دعوى على الولايات المتحدة بتهمة دعمها إسرائيل في اغتيال هنية، وتترك لميليشياتها دور إشعال الفتن هنا وهناك، فيما نصرالله يخفف بالمقابل من نبرته موضحاً أنّ “الانتظار هو عقاب وجزء من الرد”، وأنه مطلوب فقط من لبنان، لا من إيران ولا من سوريا “التي لا يسمح لها وضعها الداخلي…”. عجيب، هل الوضع الداخلي للبنان يسمح له أن يدخل في الحرب بقرار طبعاً من نصرالله؟!
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع | القرار 1701 وألاعيب الطبقة السياسية |