واشنطن وموسكو تهدّدان طهران: إياكم والرد!


خاص 8 آب, 2024

مع أنّ الردّ قد طال انتظاره أكثر مما كان متوقعاً، فالمحور لن يتسرع. وفي أي حال، هو لن يرد إلا إذا عثر على الصيغة السحرية الوسطى بين حدَّين: الضربة “الشكلية” التي تُعتبر فضيحة له، والضربة “الفعلية” التي تكون عواقبها انتحارية. وإذا لم يعثر محور طهران على هذه الصيغة التي تشبه “لبن العصفور”، فسيتأخر الرد كثيراً… وكثيراً.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

فتح السيد حسن نصرالله باباً لتأجيل الرد الذي توعدت به إيران و”حزب الله” وسائر الحلفاء، حتى إشعار آخر. فهذا المحور أوحى بعد اغتيال فؤاد شكر واسماعيل هنية أنّ هناك رداً متزامناً ومنسقاً يجري تحضيره بين الحلفاء في لبنان وإيران والعراق واليمن، وفيه تتدفق آلاف الصواريخ والمسيّرات في آن واحد، لتضرب أهدافاً حيوية في العمق الإسرائيلي، بحيث لا تتمكن القبة الحديدية الإسرائيلية من ردها كلها، حتى لو شاركتها منظومات الدفاع الأميركية والغربية والعربية الحليفة. ووفق هذا التصور، يتجنب هؤلاء ضرب أي هدف مدني في إسرائيل، لئلا يمنحها ذريعة الرد المجنون، وبحجم كارثي، على البنى التحتية والمرافق والمصالح الحيوية، خصوصاً في لبنان وبيئة “حزب الله”.

في إطلالته الأخيرة، أطلق نصرالله إشارتين تشكلان انعطافاً عن المسار السابق: الأولى هي أنّ رد “الحزب” أو أي من الحلفاء يمكن أن يحصل منفرداً. والثانية هي أنّ إيران وسوريا ليستا مضطرتين إلى دخول حرب إقليمية كبرى. ومغزى الإشارتين هو أن يقوم “الحزب” وحده بالرد على إسرائيل، فيما يرجئ الإيرانيون ردهم حتى إشعار آخر. وهكذا يصبح سيناريو الرد، في حده الأقصى، كالآتي: ينفذ “الحزب” ضربات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، لا تخرج عن قواعد الاشتباك الحالية لئلا تثير ردوداً إسرائيلية جديدة صاعقة، من نوع اغتيال فؤاد شكر. وفي هذه الحال، يعتبر “الحزب” أنه قد حفظ ماء الوجه، ويعلن الإيرانيون أنّ هذا الرد، من جانب حليفهم اللبناني، هو دفعة أولى على الحساب، ويتخذونه مبرراً لتأجيل ردهم الموعود حتى إشعار آخر. وعملياً، سيكونون قد تجنبوا مأزق الرد على اغتيال هنية في عقر دارهم.

مأزق إيران يُختصر بالآتي:
1- هذه المرة، هي لا تستطيع استعادة الاعتبار وحفظ “ماء الوجه” من خلال ردّ “شكلي” يشبه ذلك الذي اعتمدته في نيسان الفائت. لكنها، في الوقت نفسه، لا تجرؤ على تنفيذ رد حقيقي موجع لإسرائيل، بالشراكة مع حلفائها المحليين، لأنّ رد الفعل المتوقع من بنيامين نتنياهو سيكون جنونياً ولن يستطيع أحد تحمّله.

2- من خلال قناة التواصل مع واشنطن، أي فريق الديبلوماسيين والخبراء، تلقت طهران تحذيراً أميركياً مباشراً من مغبة قيامها بأي عمل يتجاوز الرد المحدود و”المتعارف عليه”. فمن جهة، أرسلت واشنطن أساطيلها إلى المتوسط معلنة أنها ستتدخل إلى جانب إسرائيل في الرد على أي استهداف تتعرض له. ومن جهة أخرى، بعثت برسائل إلى القيادة الإيرانية تطلب منها التحلي بالصبر وعدم الانجرار إلى حرب إقليمية ربما يريد تفجيرها نتنياهو في لحظة حساسة تمر بها الإدارة الأميركية مع احتدام المعركة الرئاسية واستغلال دونالد ترامب ورقة المصالح الإسرائيلية في صندوق الاقتراع.

3- قد يكون العامل الأكثر تأثيراً في تحديد الخيارات الإيرانية هو موقف موسكو التي أرسلت وزير دفاعها السابق سيرغي شويغو إلى طهران حاملاً رسالة تهدئة أيضاً. وتواردت معلومات مفادها أنّ الحلفاء الروس تريثوا في الاستجابة لطلب إيران تزويدها أسلحةً صاروخية متطورة يحتاجون إليها في المواجهة مع إسرائيل، ونسخةً محدثة من مقاتلات سوخوي. كما حذروا طهران من عواقب أي تهور يورطهم في حرب إقليمية، فيما هم غارقون في مستنقع أوكرانيا.
ويعكس موقف روسيا أيضاً رغبة في التزام سياسة متوازنة بين إيران وإسرائيل التي تقيم معها موسكو علاقات تاريخية بقيت وطيدة دائماً. ومن الواضح أنّ ثمة تعاوناً وتنسيقاً إسرائيلياً- روسياً، خصوصاً في سوريا حيث للروس قواعد عسكرية وازنة. ولطالما سدد الإسرائيليون ضربات قاسية إلى أهداف تخصّ إيران و”حزب الله”، ولم تحرك روسيا ساكناً. وهذا الأمر أثار دائماً حفيظة طهران.

إذاً، على أرض الواقع، وبعيداً من تهديدات المحور بالرد “المزلزل” على إسرائيل، لا شيء متوقع بالفعل، سوى ضربات معينة يمكن أن ينفذها “حزب الله”، بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن طهران. لكن هذه الضربات ستبقى تحت سقف الانضباط، فلا يُمنح نتنياهو فرصة ربما ينتظرها لضرب لبنان الذي يمسك “الحزب” بمنظومته وقراره، ولتدمير المناطق المحسوبة بيئةً حاضنة لـ “الحزب”.

ومع أنّ الرد قد طال انتظاره أكثر مما كان متوقعاً، فالمحور لن يتسرع. وفي أي حال، هو لن يردّ إلا إذا عثر على الصيغة السحرية الوسطى بين حدَّين: الضربة “الشكلية” التي تُعتبر فضيحة له، والضربة “الفعلية” التي تكون عواقبها انتحارية. وإذا لم يعثر محور طهران على هذه الصيغة التي تشبه “لبن العصفور”، فسيتأخر الرد كثيراً… وكثيراً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us