لبنان عالق بـ “صنارة” السنوار
مصير السلام اللبناني صار ظاهرياً في حالة “لا معلقّ ولا مطلّق” كما يقال. لكنه عملياً، ووفق مؤشرات عدة، صار أشبه بالسمكة العالقة في صنارة كانت لأمد قريب لنصرالله، وصارت اليوم للزعيم الجديد يحيى السنوار
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
مر أسبوعان على الحدث المزدوج في الضاحية الجنوبية وطهران ولم يرد “حزب الله” وإيران. وعلى الرغم من تأخر الرد لم يتوقف الكلام عن مواعيده المحتملة. وكانت النتيجة أنّ مصير السلام اللبناني صار ظاهرياً في حالة “لا معلقّ ولا مطلّق” كما يقال. لكنه عملياً، ووفق مؤشرات عدة، صار أشبه بالسمكة العالقة في صنارة كانت لأمد قريب للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، وصارت اليوم للزعيم الجديد لحركة “حماس” يحيي السنوار.
في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، ذكرت قناة “كان” الإسرائيلية أنها لم تشهد هجوماً بهذا العدد من الطائرات المسيّرة التي أطلقها “الحزب” نحو شمال إسرائيل منذ بداية المواجهات في تشرين الأول الماضي. أما “الحزب” فأعلن في بيان صادر عن جناحه العسكري “المقاومة الإسلامية”، أنّ الهجوم هو رد على “الاعتداء والاغتيال الذي نفذه العدو الإسرائيلي في مدينة صيدا”، في إشارة إلى اغتيال القيادي ومسؤول الأمن في حركة “حماس” في عين الحلوة سامر الحاج، باستهداف سيارته من نوع “رانج روفر” بصاروخين من مسيرة إسرائيلية لدى خروجه من اجتماع داخل المخيم.
وهكذا احتل الرد على ما تلحقه إسرائيل بـ”حماس” الأولوية على ما يتكبده “الحزب”. ووفقاً لما أوردته معلومات صحفية، طلب مسؤولون عرب من “حزب الله” تأجيل رده على اغتيال القيادي البارز فؤاد شكر، إلى ما بعد بدء قمة المفاوضات حول صفقة إطلاق سراح الرهائن، التي ستعقد يوم الخميس المقبل. ووفقاً لهذه المعلومات، قال المسؤولون لـ”الحزب” إنّ الهجوم ضد إسرائيل قبل القمة يمكن أن يضرّ بالمفاوضات، وأنّ “الحزب” سيتحمّل مسؤولية القيام بذلك.
مقابل هذا الغموض الذي يحيط بهذه المعلومات، ظهر وضوح في موقف طهران على هذا الصعيد. ففي نيويورك، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنّ رد طهران على اغتيال إسرائيل لقائد “حماس” السابق إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية نهاية الشهر الماضي “مسألة لا علاقة لها على الإطلاق” بجهود التوسط في وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ 10 أشهر بين إسرائيل و”حماس” في قطاع غزة. لكن البعثة عندما سئلت عما إذا كان بإمكان إيران تأجيل ردها إلى ما بعد مفاوضات الرهائن مقابل وقف إطلاق النار، أجابت: “نأمل أن يتمّ توقيت ردنا وتنفيذه بطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل”.
في موازاة ذلك، تصدرت أمس معلومات صحفية نشرتها “الجريدة الكويتية، أنّ طهران تلقت رسالة من واشنطن موجهة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، تطلب فيها من الإيرانيين تأجيل ردهم على اغتيال هنية، من أسبوعين إلى بضعة أسابيع (مستخدمة العبارة الإنكليزية couple of weeks).
يشار إلى أنّ الولايات المتحدة ومصر وقطر دعت إسرائيل و”حماس” إلى الاجتماع لإجراء مفاوضات يوم الخميس هذا الأسبوع في 15 آب الجاري في الدوحة أو القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح رهائن. وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك: “أولويتنا هي التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة. أي اتفاق تقبله “حماس” سنعترف به أيضاً”.
ما قالته البعثة الإيرانية في نيويورك، كشف عن تطور مهم طرأ على العلاقات بين إيران و”حماس”. ويمكن هنا العودة إلى التقرير الذي نشرته مجلة “الإيكونومست” البريطانية في عددها الأخير للوقوف على مضمون هذا التطور. وجاء في التقرير: “إذا كان هناك أي شك حول أين يكمن ميزان القوى داخل “حماس”، فمن المؤكد أنه ظهر في 6 آب عندما عينت الجماعة المسلحة يحيى السنوار، زعيمها في غزة ومهندس هجمات 7 تشرين الأول، مرشداً أعلى لها. ويرسل هذا التعيين إشارة واضحة إلى أنّ الفصيل الأكثر تطرفاً في “حماس” هو المسؤول الآن. وهذا يضعف الآمال في وقف إطلاق النار الذي قد ينهي الحرب التي أودت بالفعل بحياة ما يقرب من 40,000 شخص في غزة”. أضاف التقرير: “تجمّع مسؤولون من “حماس” في قطر في الأيام الأخيرة لحضور جنازة إسماعيل هنية، الرئيس السابق لمكتبها السياسي، الذي اغتيل في طهران في 30 تموز. وجرت المناقشات حول من سيتولى منصبه خلف أبواب مغلقة. وعلى الرغم من أنّ السنوار اكتسب نفوذاً في “حماس” منذ هجومها على إسرائيل، إلا أنه لم يكن من المتوقع أن يفوز بالمنصب الأعلى”. وتابع تقرير المجلة البريطانية: “كان العديد من قادة الجماعة في الدوحة يضغطون لصالح خالد مشعل كرد على سلطة السنوار. ومنذ انتخابه في عام 2017 رئيساً للمكتب السياسي في غزة، وهو واحد من ثلاثة مكاتب إقليمية، قام السنوار بتركيز السلطة واكتسح منافسيه. من الناحية النظرية، كان ينبغي أن يؤدي وجوده في غزة إلى حرمانه من قيادة المنظمة بأكملها، لأنّ نظامها الداخلي ينصّ على أنّ الرئيس العام للمكتب السياسي يجب أن يكون خارج غزة. ومع ذلك، أيد قادتها السنوار بالإجماع، كما تقول مصادر في “حماس”.
التعيين مؤقت من الناحية الفنية، حتى يمكن إجراء انتخابات داخلية العام المقبل. ولكن مع استمرار الحرب في غزة، قد لا يواجه السنوار تحدياً لبعض الوقت”.
وفي رسائل تم تمريرها عبر سعاة من غزة، أصر السنوار على أنّ الزعيم الجديد يجب أن يكون على علاقة جيدة مع إيران وسوريا، وهما من الداعمين الرئيسيين لـ”حماس”. ويقول عزام التميمي، وهو كاتب له صلات وثيقة بقيادة الحركة: “اقترب السنوار من إيران أكثر من أي شخص آخر في الحركة في السنوات القليلة الماضية”.
ماذا يعني تزعم السنوار لـ”حماس” في لبنان؟ أتت بداية الجواب في كثافة مسيرات “حزب الله” التي انطلقت السبت الماضي نحو شمال إسرائيل تحت عنوان الرد على اغتيال مسؤول الحركة في عين الحلوة. أما بقية الجواب التي ستظهر تباعاً فتشير إلى أنّ نصرالله صار أكثر اهتماماً بما ينفع أو يضر السنوار. أما كلمة “الصنارة” التي تصف واقع لبنان العالق اليوم بزعيم “حماس” بعدما كان عالقاً فقط بزعيم “حزب الله” وحده فهي تقول نصف الحقيقة. أما الحقيقة الكاملة ، فهي تكمن في كلمة “الشبكة” التي ترتبط بإسرائيل والتي تعني أنّ لبنان وغزة وسائر المنطقة أصبحوا عملياً عالقين فيها حالياً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |