الحزب والتيار والحمار!
يقول الحمار للتيار، بعد تفاهم الـ2006، ما كان مطلوباً منك نزع سلاح الحزب، ولا تغيير السياسة الإيرانية، ولا تدجين الوحش الإسرائيلي. يا ليتك كلما ارتفع الإصبع عبّدت طريقاً وردمت حفرة وخزّنت كيلو طحين. يا ليتك عندما باركت عضلات الحزب ودلّعتها، انتبهت إلى صحة بلد مصاب بكمّ من الأمراض المزمنة. وما النفع الآن… التكرار لا يعلّم التيار!
كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:
لم يتمّ التأكد من طائفة الحمار الوارد ذكره في هذا النصّ، وأي تشابه بالأسماء والأدوار هو من محض الصدفة، ولكنّه يمتّ إلى الحقيقة بأكثر من صلة. وحتى الحمار يستحقّ منّا التقدير والاحترام في هذه المرحلة المفصلية من المشهد السياسي اللبناني والإقليمي المفتوح على كل الاحتمالات.
وحمارنا هذا لا يدّعي صفة المحلل السياسي ولا الباحث في الشؤون الدولية، وهو ليس أكثر من مجرد شاهد على تفاهم تم توقيعه عام 2006 بين الحزب والتيار، ويشعر الآن أكثر من أي وقت مضى، فيما ينتظر لبنان والعالم الردّ على اسرائيل، بحاجة ملحّة للحديث عن ذاك التفاهم.
صحيح أن السياسة اللبنانية، مهما كانت تحالفاتها وتفاهماتها، لن تجعل من الإسرائيلي أقل عدوانية ووحشية وتغطرساً ووقاحة، وصحيح أن تحالف التيار والحزب ما كان بوارد تغيير السياسة الامبريالية ولا كبح التطلعات الإيرانية، ولا كان قادراً على تحرير الأراضي المحتلّة بالمصافحات والتبريكات… لكن الحمار متأكّد أن التيار دفع في يوم ما ثمناً باهظاً جداً للتبرّك بنعمة السلاح الإلهي المقدّس، ثمناً كلّفه عشرات السنوات من الشعارات والخطابات والمعارك والنضالات، رميت في سلة المهملات فداءً لتنجيد طرّاحة كرسي الأحلام.
ولكن ما الفائدة من نبش قبور تحالف مار مخايل 2006 الآن، وماذا يفيدنا هذا في الصراع ضد إسرائيل؟
الجواب واضح جداً ولا يحتاج خبرة وقراءة عميقة أكثر من تحليل حمار.
ببساطة، أراد حزب الله عام 2006 أن يوفّر غطاءً وشرعية لسلاحه، وأراد التيار إعادة المكوّن المسيحي إلى اللعبة السياسية بزخم وقوّة. تفاهم الطرفان، وتحالفا، وتصافحا، وتباركا، وفرضا نفسيهما لاعبين أساسيين على الساحة الداخلية، بعدما حصل كل واحد على مبتغاه.
ممتاز! السياسة “مجوية” وكل شيء فيها مباح، ولا اعتراض هنا على مشيئة الله ولا على قوة السلاح. لكن التيار دخل ذلك التحالف بكامل قواه العقلية وعلى رجليه. وإذا كان حمارنا يعرف، فلا شكّ في أن التيار نفسه كان يعلم خبايا تلك اللعبة الماكرة التي حوّلت لبنان إلى دولة تبحث عن مصالح حزب الله.
ويسأل الحمار التيار بكلّ محبّة، عندما قررتم فرض هوية فئوية على بلد بكامله، وباركتم تحويل لبنان إلى منصة صواريخ إيرانية، ماذا فعلتم لكل هؤلاء غير المباركين بنعمة السلاح المقدّس والمفصّل على مقاس طائفة دون غيرها؟ ماذا فعلتم لأي منطقة ملعونة بقلّة السلاح، أو طائفة منبوذة من نعمة الله المدجّج بالصواريخ، أو بلدية أو قرية أو مدينة أو شارع أو حيّ أو مدخل بناية يأكله العفن والرطوبة لأنه لا تشرق عليه شمس المحور أو يدفئه حنان الخامنئي؟
ولكن الحمار يعلم أن أبسط القواعد العسكرية تحتّم تأمين خطتي الهجوم والدفاع، ويشمل ذلك زيادة الأضرار التي يمكن إلحاقها بالعدو وتأمين الأرضية لتحمّل ضربات العدوّ.
تعاظمت قدرة حزب الله القتالية والصاروخية، وبات قادراً على إخافة الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، ورسّخ بحسب ما يقول معادلة الرعب، وإذا ضربوا بيروت سيضرب تل أبيب، وإذا ضربوا مطار “رفيق الحريري” سيضرب مطار “بن غوريون”.
يا نيّالنا، نحنا ما منحمل ضربة شمس، وماذا ينفعنا تدمير مطار “بن غوريون” ومطارنا يتعطّل إن رعدت وأمطرت؟ ماذا ينفعنا قصف تل أبيب وبيروت مصابة بترقّق العظام ولا تحتمل “فركشة” على الدرج. يا نيالنا بجبروت حزب الله الذي يرعب الأعداء بمئات آلاف الصواريخ وعشرات آلاف المقاتلين، ونحن لا نمتلك فرامل لسيارة سباق يقودها الحزب.
عندما أذعن التيار للخيارات السياسية المفروضة بحكم الأمر الواقع، إقليمياً ودولياً، واكتشف أنه لا بد من ركوب قطار محور إيران المتصاعد نفوذه في المنطقة، كان عليه أن يرضخ دون أن يفرض الركوع على شعب بأكمله. وماذا تنفعنا قوة حزب الله، وكيف نحتمي في ظلّ تهديداته ومغامراته وقراراته الأحادية، ونحن لا نمتلك أدنى مقومات البنى التحتية والمعيشية للصمود. صُبّ الاهتمام كلّه على قوة حزب الله، وقوتنا بُليت بالإهمال والتقصير والتخاذل والتدمير.
نحن لا حول لنا ولا قوة، وليقرّر الحزب متى يضرب ومتى يسكت، وليقرّر قواعد الاشتباك والإسناد والتصعيد. يصطفل الحزب بمقاتليه وترسانته وقواعده وقادته.
ويقول الحمار للتيار، بعد تفاهم الـ2006، ما كان مطلوباً منك نزع سلاح الحزب، ولا تغيير السياسة الإيرانية، ولا تدجين الوحش الإسرائيلي.
يا ليتك مقابل كل صاروخ، أمّنت كيلوواطاً واحداً من الكهرباء.
يا ليتك مقابل كل مقاتل، ضخّيت إنشاً واحداً من الماء.
يا ليتك مقابل كل تهديد، وفّرت طبيباً وممرضة ومسعفاً.
يا ليتك مقابل كل تصعيد، جهّزت مستشفى ومستوصفاً وسيارة إسعاف.
يا ليتك كلما ارتفع الإصبع، عبّدت طريقاً وردمت حفرة وخزّنت كيلو طحين.
يا ليتك كلما قدّمت تنازلاً كنت تمنح الشعب سبباً واحداً يساعدهم على الصمود والمقاومة والنجاة.
يا ليتك عندما باركت عضلات الحزب ودلّعتها، انتبهت إلى صحة بلد مصاب بكمّ من الأمراض المزمنة.
يا ليتك وضعت شروطاً واضحة، كلما زادت قوة الحزب لا بدّ أن تزيد معها قوة لبنان.
وما النفع الآن… التكرار لا يعلّم التيار!
مواضيع مماثلة للكاتب:
نعيماً يا قاسم! | صدفة تجمع إيلي صعب وعلي خامنئي | حزب الله… “سلّملي عليه”! |