عندما لا يعود السلاح عنصر توازن مع إسرائيل


خاص 15 آب, 2024

هناك الكثير من الكلام الذي يدور علناً وفي الكواليس، ومفاده أن “الحزب” إذا لم يكن اليوم قادراً على الرد بشكل مناسب على إسرائيل، فمتى سيكون قادراً؟ وإذا تخلى فعلاً عن فكرة الرد، فهل يعني ذلك أنّ وظيفة سلاحه في المواجهة مع إسرائيل قد انتهت؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فما الجدوى من السلاح بعد اليوم؟

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

مأزق “حزب الله” اليوم يكمن في أنه لا يستطيع الرد على إسرائيل، إذ إنّ عواقب الرد ستكون كارثية عليه وعلى البلد. لكن “الحزب” سيواجه مأزقاً أكبر إذا لم يرد، لأنّ العواقب المتوقعة في هذه الحال ستكون ثقيلة ولا يستطيع تحملها، سواء في ما يتعلق بموقعه في المواجهة مع إسرائيل أو بدوره كقوة إقليمية فاعلة أو بوضعه الداخلي ضمن التركيبة اللبنانية، وهذا هو الأخطر بالنسبة إليه.

“حزب الله” يمسك اليوم بغالبية القرار المركزي في لبنان. ولا يستطيع أي طرف أن يمرر خياراته ما لم يحصل على ضوء أخضر من “الحزب”. وحتى انتخاب رئيس للجمهورية يبقى معلقاً إلى أن يفرج عنه. كما يتحكم “الحزب” تماماً بالجنوب والحدود مع إسرائيل. وبهذا الامتياز، هو يفاوضها بشكل غير مباشر، بوساطة الأميركيين، وهو الذي حدد سقف التنازلات التي قدمها المفاوض اللبناني قبل عامين، ما أتاح إبرام الاتفاق لترسيم الحدود البحرية.

كل هذا النفوذ، ما كان “حزب الله” قادراً على ممارسته لولا امتلاكه السلاح. فالسلاح هو “الكلمة المفتاح” لامتيازات “الحزب” كلها. ولذلك هو لن يتخلى عنه مهما تقلبت الظروف، خصوصاً أنه نجح في الحصول على اعتراف ثابت ودائم من الحكومات المتعاقبة كلها، في بياناتها الوزارية، بالحق في “المقاومة”، أي الحق بامتلاك السلاح على أنواعه ومستوياته، وفي تنظيم العمل المسلح وما يستتبعه من ضرورات سياسية وعسكرية وأمنية وإدارية ومالية.

حجة “الحزب” الأساسية لامتلاك السلاح هي:
* أولاً، أنّ إسرائيل ما زالت تحتل أرضاً لبنانية هي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا فيما لم تُرسَّم الحدود البرية معها.
* ثانياً، أنّ مجرد وجود إسرائيل يستدعي أن تكون في لبنان مقاومة تتكفل بخلق توازن رعب معها. ولذلك، لا يمكن لـ”حزب الله” أن يتخلى عن سلاحه ما دامت إسرائيل قادرة على ممارسة اعتداءاتها على لبنان في أي لحظة. وعندما يطالبه أحد بالتخلي عن هذا السلاح لمصلحة الجيش والأمن الشرعي يقول إنّ هذا غير ممكن إلا بعد التحرير الكامل وإقامة سلام دائم وثابت في الشرق الأوسط.

يعني هذا أنّ “الحزب” يعيش دائماً هاجس إثبات دوره وتأكيد وظيفة سلاحه في إقامة توازن الرعب مع إسرائيل، وإلا فإنّ العديد من القوى اللبنانية ستطالبه بالتخلي عن سلاحه. وفي عبارة أخرى، هو ملزم بالرد على إسرائيل دائماً، وبأي شكل، ليقول للجميع: أنا الوحيد القادر بسلاحي على تحقيق توازن الرعب مع العدو.

لذلك، يريد “حزب الله” أن يردّ بأي شكل على اغتيال فؤاد شكر، كما على اغتيال المئات من عناصره وكوادره في الجنوب على مدى 9 أشهر من “حرب المساندة”. فهناك الكثير من الكلام الذي يدور علناً وفي الكواليس، ومفاده أنّ “الحزب” إذا لم يكن اليوم قادراً على الرد بشكل مناسب على إسرائيل، فمتى سيكون قادراً؟ وإذا تخلى فعلاً عن فكرة الرد، فهل يعني ذلك أنّ وظيفة سلاحه في المواجهة مع إسرائيل قد انتهت؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فما الجدوى من السلاح بعد اليوم؟

يدرك “الحزب” أبعاد هذا الكلام ، لكنه لم يعثر على الصيغة المناسبة للرد بشكل يحفظ له ماء الوجه، من دون التسبب بضربات إسرائيلية جديدة مجنونة. ويدرك بنيامين نتنياهو أنّ “الحزب” خائف من تنفيذ رد جدي، وفي مستوى اغتيال شكر. ولذلك، هو قد يستغل نقطة ضعف “الحزب” في أي لحظة، فيستهدفه تكراراً ليكشف أمام الرأي العام عجزه عن تحقيق معادلة توازن الرعب التي يرفع شعارها كمبرر للاحتفاظ بالسلاح وتنظيم المقاومة.
في “اليوم التالي” للحرب، سيتوقف كثير من اللبنانيين عند عجز “الحزب” عن الرد على إسرائيل، وسيسألونه: وأما الآن، فما الداعي لاحتفاظكم بالسلاح ما دمتم، في اللحظة الحاسمة، تتجنبون استخدامه خوفاً من العواقب؟ والأحرى أن تسلموه إلى الجيش والقوى الشرعية. كما أنّ العديد من الأطراف العربية والإسلامية التي تدعم مقاومة “حزب الله” للاحتلال الإسرائيلي ستراجع سياساتها وتسأل عن مبرر استمرار السلاح في يده، وسيعبّر الكثيرون عن خشيتهم من أن يصبح هذا السلاح مجرد عنصر قوة لـ”الحزب” وشركائه والطائفة الشيعية في المعادلة الداخلية؟

هذا المصير هو أسوأ ما يمكن أن يصل إليه “الحزب”، لأنه يهدد فعلاً بزوال امتيازاته. ولذلك، هو سيفعل أي شيء ليحافظ على راية المواجهة مع إسرائيل، لأنها رأسماله الأول. وعلى هذا الأساس، هو سيرد على ضربات إسرائيل عاجلاً أو آجلاً. وقد لا يكون الرد كبيراً وبحجم اغتيال كوادره من الصف الأول، لكنه سيكون رداً يكفي لحفظ ماء الوجه وشعار توازن الرعب المرفوع باعتباره ضرورة أكثر من حيوية لاستمرار نفوذ “الحزب” في الداخل اللبناني.

ومن الواضح أنّ الحزب يعاني الوضع الأشد إحراجاً، ربما منذ تأسيسه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us