كيانات الشرق الأوسط سيعاد تركيبها… ومعها لبنان!
العاملون على المشاريع في المنطقة بدأوا تخطيطهم ومحاولاتهم قبل عشرات السنين، ولا يبدو أنهم يستعجلون الإنجاز الكامل. لكن الحرب الدائرة اليوم على جبهة غزة ستنتهي بحلول جذرية، ومعها لا بد من دخول لبنان في خيارات جديدة. ولكن، أي خيارات ستكون، وأي معادلات للقوة تتحكم فيها؟
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
ربح بنيامين نتنياهو الجائزة الكبرى عندما نفذت “حماس” عمليتها في 7 تشرين الأول 2023. فهو لن ينهي حرب غزة، أياً كانت المبررات والظروف والضغوط، قبل أن يسحق الحركة ويُخضع القطاع وأهله بالكامل، ويؤسس لمسار جديد في الملف الفلسطيني.
هذا الأمر لم يعد مجرد توقُّع، إذ أعلنه نتنياهو مراراً، وكرَّره صراحة قبل يومين. فبالنسبة إليه، إذا تم الاتفاق في القاهرة فهو لن يكون سوى وسيلة لخفض عدد الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، ومعه تقليص الضغوط الداخلية التي يتعرض لها. وبعد ذلك، هو سيستأنف الحرب حتى تحقيق ما يسميه “الأهداف الاستراتيجية لدولة إسرائيل”.
ويجد نتنياهو في فترة الاضطراب الانتخابي السائدة في الولايات المتحدة، والتي ستطول نحو 3 أشهر أخرى، فرصة مثالية لتحقيق أهدافه. فالرئيس جو بايدن مرغم على مراضاة إسرائيل لعله يضمن الأصوات المتعاطفة ويزيد من فرص الديموقراطيين للفوز، فيما خصمه دونالد ترامب يزايد أساساً في دعم إسرائيل. وإذ يعتبر نتنياهو أن وضع واشنطن أساطيلها عملانياً في خدمة إسرائيل هو من باب الواجب و”تحصيل الحاصل”، فقد نجح في إجبار وزير خارجيتها أنطوني بلينكن على تبني طرحه في المفاوضات.
ولذلك، إن غزة مقبلة على السقوط تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وسيؤدي ذلك إلى تغيير سياسي وجغرافي وديموغرافي جذري في الوضع الفلسطيني، خصوصاً إذا تم إقحام الضفة الغربية في المأزق. ويراهن نتنياهو على دعم إدارة بايدن لمشروعه الخاص بالملف الفلسطيني، خصوصاً في ما يتعلق بالنظرة إلى مستقبل الكيانات في الشرق الأوسط.
للتذكير، بايدن هو صاحب مشروع الفدراليات والكونفدراليات التي اقترح إنشاءها على الرقعة الإقليمية، مراعاةً لحق كل مجموعة عرقية أو دينية في تقرير مصيرها. وفي العام 2014، عندما كان نائباً لباراك أوباما اقترح جعل العراق 3 فدراليات، سنية وشيعية وكردية. وتولى بريت ماكغورك الذي كان حينذاك نائباً لمساعد وزير الخارجية، تسويق هذا المشروع كسبيل لإنهاء “داعش” وإرساء علاقات طيبة بين مكونات الشعب العراقي. وسبق أن اضطلع الرجل، الذي كان أحد الوجوه الدبلوماسية الفاعلة في فريق جورج بوش الابن، بأدوار مؤثرة في إدارة واشنطن للملف العراقي.
وماكغورك نفسه يتولى اليوم دوراً رئيسياً في المفاوضات الجارية في الدوحة والقاهرة حول الملف الفلسطيني. ويعتقد ديبلوماسيون أن هذا العامل سيساهم في تشجيع الخيارات الفدرالية أو شبه الفدرالية على مستوى الشرق الأوسط بكامله.
ففي الملف الفلسطيني، يتقاطع الطرح الأميركي مع مصالح إسرائيل في العديد من النقاط، ويخالفها في أخرى. فرؤية بايدن الشرق أوسطية تقضي بمنح الفلسطينيين دولة مستقلة في الضفة الغربية وغزة، على أن تديرها سلطة تعترف بإسرائيل. لكن هذه “الدولة” تكون واقعياً أشبه بالفدرالية، ضمن منظومة كيانات متحالفة، تضم إسرائيل ودولاً عربية. ويرفض نتنياهو هذا الطرح لأنه ينطوي على تسمية “دولة” فلسطينية، لكنه قد يوافق على صيغ أخرى بعد زوال نفوذ “حماس”، ومنها أن تتولى إدارة غزة قوى فلسطينية محلية “غير معادية” لإسرائيل.
الكيانات العربية المحيطة بإسرائيل موزعة كلها اليوم على ما يشبه الفدراليات والمناطق المستقلة بدرجات متفاوتة. وثمة من يعتقد أن الحل الذي سترسو عليه غزة سيكرسها مقاطعة لها استقلاليتها الإدارية، كما هي الضفة الغربية، ولكن تحت النفوذ العسكري والأمني والمالي الإسرائيلي. وقد يصعب إرساء حل دائم للملف الفلسطيني من دون إقحام الأردن فيه، وكذلك مصر على الأرجح. ولذلك، ثمة تغييرات سياسية وجغرافية وديموغرافية تنتظر هذه الكيانات، وستكون نموذجاً لتغييرات يجري تكريسها في دول الشرق الأوسط كلها، من العراق إلى سوريا ولبنان والأردن الذي يعيش قلق الحديث الدائم عن فدرالية أردنية- فلسطينية.
وإذا كانت الحروب الطويلة في العراق وسوريا قد أنضجت التغييرات المحتملة في البلدين، فإن الحروب الطويلة في لبنان، ثم الانهيارات الهائلة قد جعلت هذا البلد جاهزاً للانتقال إلى صيغة سياسية- طائفية جديدة. وهذا الانتقال ربما يستغرق مزيداً من الوقت ليصبح تلقائياً، والبعض يقول إنها أشهر أو سنوات. فالعاملون على المشاريع في المنطقة بدأوا تخطيطهم ومحاولاتهم قبل عشرات السنين، ولا يبدو أنهم يستعجلون الإنجاز الكامل. لكن الحرب الدائرة اليوم على جبهة غزة ستنتهي بحلول جذرية، ومعها لا بد من دخول لبنان في خيارات جديدة. ولكن، أي خيارات ستكون، وأي معادلات للقوة تتحكم فيها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سيُخلي “حزب الله” فعلاً جنوب الليطاني؟ | صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً |