ردّ “الحزب “كي يقول “وداعاً”؟
هل كان رد “الحزب” أمس على اغتيال شكر بمثابة طلقات “الوداع” لوجود “الحزب” المسلح في وضعه الراهن جنوب نهر الليطاني؟ حتى ولو كان هذا الوداع في إطار صفقة ما يجري تدبيرها بين واشنطن وطهران في الشهور المقبلة؟
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
ستكون الأيام الأخيرة من شهر آب الحالي استثنائية في لبنان والمنطقة. وأتت تطورات الحدود الجنوبية أمس إيذاناً ببدء العد العكسي لهذه المرحلة الدقيقة التي سيتخللها تمديد عمل قوات الطوارئ الدولية في الجنوب لمدة عام كامل. وسيأتي هذا التمديد في ظل تطورات لم يسبق لها مثيل إلّا عام 2006 عندما اندلعت حرب تموز في ذلك العام على مدى 33 يوماً وانتهت بصدور القرار 1701 .
عاش الجنوب منذ أكثر من عشرة أشهر حرباً من نوع لم يألفه منذ عقود وتمثل بمواجهات على الحدود الجنوبية تشبه تلك التي عرفتها هذه الحدود في زمن العمل الفلسطيني المسلح بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 . وأعاد الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان في مقال نشره موقع “جنوبية” الإلكتروني قبل أيام إلى الأذهان حقبة اتفاقية القاهرة التي جرى توقيعها عام ١٩٦٩ أي منذ ( ٥٥ سنة). وقال: “وقتها كانت الدول العربية مصر والأردن وسوريا والعراق، جبهاتها تشتعل بشكل يومي، وتجري حرب استنزاف مفتوحة مع إسرائيل، واتفاقية القاهرة جعلت من لبنان دولة مساندة وليست دولة مواجهة”.
أضاف :”بعد شعار “وحدة الساحات” الذي أطلقه الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، كان المنتظر أن تشتعل كل ساحات محور الممانعة نصرة لغزة، تنصلت طهران أولاً من”طوفان الأقصى”، ثم أعلن نصرالله إعفاءه سوريا من واجباتها، وهي بلد عربي في المحور ولديه أراضٍ ما زالت محتلة، بعد ذلك قام السيد نصرالله بإبلاغنا، عن خروج إيران وسوريا من المواجهة، وتصنع طلباً منه لهما، بعدم اشتراكهم بحرب مستمرة، لو كان صريحاً أكثر لاعترف بنهاية “وحدة الساحات”.
وخلص سليمان إلى القول:” اليوم لبنان هو دولة المواجهة الوحيدة، بعد أن خرجت كل الدول العربية من حالة الحرب مع إسرائيل، وبعد أن عقدت معاهدات صلح وتطبيع معها”.
تأتي هذه المقارنة بين زمن السلاح الفلسطيني وزمن السلاح الإيراني الذي يستعمله “حزب الله” عشية تحولات ستظهر معالمها عاجلاً أم عاجلاً في حرب غزة وتالياً في جنوب لبنان. فخلال هذا الأسبوع تشهد القاهرة جولة جديدة من المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف النار في حرب غزة. وترافقت هذه الجولة مع تقديرات إسرائيلية تفيد بأنّ رد “حزب الله” أمس على اغتيال المسؤول العسكري فؤاد شكر، أتى بمعزل عن نتائج المحادثات الجارية في القاهرة بشأن غزة، وكذلك بشكل منفصل عن إيران، الأمر الذي يفسر زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي سي.كيو براون، المفاجئة للمنطقة.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، قال المسؤول الأميركي العسكري، إنه يهدف إلى مناقشة سبل تجنب أي تصعيد جديد للتوتر لئلا تتسع رقعة الحرب، معتبراً أنّ التوصل إلى اتفاق بشأن غزة من شأنه أن “يساعد في خفض حدة التوتر” .
بدوره، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري: “نحن على مشارف أسبوع حاسم إثر المفاوضات الجارية في القاهرة والقتال المتواصل في غزة وعلى الحدود الشمالية. إننا على درجة عالية جدًا من الجاهزية، هجومياً ودفاعيًا”، وطالب “جمهور المواطنين بالحفاظ على اليقظة والتأهب إلى جانب ممارسة الحياة الطبيعية” .
وأتت مواقف وزير خارجية إيران الجديد عباس عراقجي، لتعطي إشارات إضافية إلى أن طهران تخلت عن تهديدها بالرد عاجلاً على اغتيال الزعيم السابق لحركة “حماس” اسماعيل هنية في نهاية الشهر الماضي عندما كان يحل ضيفاً على الحكومة الإيرانية في العاصمة طهران. ففي أول إطلالة إعلامية له في نهاية الأسبوع الماضي ، قال عراقجي أن رد طهران على تل أبيب “سیکون دقیقا ومحسوباً”. أضاف:”لن نوقع في الکمائن التي ربما تكون قد نصبت، وهذا الانتقام سيتم في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة”.
وتلقى وزير الخارجية الإيراني الجديد التهاني عبر الهاتف من نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب . وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية ، أکد عراقجي لبوحبيب على “نهج الحکومة الجدیدة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة في مواصلة دعم لبنان حکومة وشعباً ومقاومة ضد عدوان الکیان الصهیوني”.
ما يطلبه لبنان فعليا من دعم ضد ما أسماه عراقجي “عدوان الکیان الصهیوني”، هو تطبيق القرار 1701 الذي يمثل الحل الوحيد لإعادة الهدوء إلى الجنوب. وقبل 11 عاما، وتحديداً قبل أسابيع من اغتياله ، حدد وزير المال الأسبق محمد شطح كيف يمكن هناك دعم للبنان سواء من إيران أو غيرها كي يخرج من دوامة العنف القاتلة على الحدود الجنوبية. وخلال مقابلة تلفزيونية جرى توزيع تسجيلها الأسبوع الماضي وكانت أجريت مع شطح قبل كانون الأول عام 2013 عندما تم اغتياله ، قال الأخير:”هناك خريطة طريق دولية ومحلية اسمها الـ 1701 . الناس تنسى، أنّ القرار قسمان: قسم لإنهاء الحرب في تموز 2006 . والقسم الثاني من الـ 1701 ، يضع لبنان في وضع نهائي آمن تجاه العدو الإسرائيلي وتجاه حدوده الشمالية والشرقية وتجاه الميليشيات الداخلية التي لا يمكن أن تبقى “. كما قال شطح :”هناك عناصر في الفقرة 8 من القرار 1701 ، وبعد الخطوات الأولية لإنهاء حرب 2006 ، تمثل خريطة دولية لتأمين سيادة لبنان وامنه في الجنوب وفي الداخل وعلى الحدود . لم تخط أية خطوة لتنفيذ هذه الخريطة. لماذا؟ ببساطة لأن لبنان لم يكن مستعداً للطلب جدياً للوصول إلى هذا الهدف . كان هناك اعتقاد بأنه لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف مع إصرار “حزب الله” على البقاء كقوة عسكرية موازية للدولة . لكن ، إذا كان إنهاء الميليشيات موقف أممي من مجلس الأمن ووافقت عليه جميع الدول ووافق عليه لبنان، فلماذا عطّلنا إمكانية الخضوع لهذا الأمر؟”
لو عاش شطح حتى اليوم لقال بالفم الملآن لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي جمع صباح أمس ما تيسر من وزراء في دارته في يوم الجنوب المشهود :”دولة الرئيس، لبنان يستحق أكثر من صبحية في منزلك الفاخر كي يتلمس طريقه من قعر الهاوية التي أوصله إليها “حزب الله” وراعيه الإيراني منذ العام 2006″.
أما إطلالة الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أمس فتخللها الإدلاء برواية “الحزب” الانتصارية حول ما جرى في الجنوب أمس، لكنه لم يذكر شيئاً عن رواية إسرائيل الانتصارية أيضاً والتي ستتفاعل تدريجياً.
تبدو الصورة الواسعة التي تضم كل الأجزاء التي وردت الإشارة إليها آنفاً، أن الوقت بات ضيقاً كي تستمر الأوضاع على ما هي عليه على الحدود بين لبنان وإسرائيل. واذا تحققت فعلياً التقديرات الإسرائيلية بأنّ هذه المنطقة على مشارف تطورات دراماتيكية ، فذلك يعني أنّ ولادة التمديد الجديد لعمل اليونيفيل ستكون مشابهة لظروف إنهاء حرب تموز عام 2006 . وإذا كان الأمر قبل 18 عاما قد تمثل بولادة القرار 1701 ، فالتمديد المرتقب سيكون مرافقاً لتطبيق القرار الذي قد يعني نهاية الوجود المسلح لـ”حزب الله” في منطقة عمليات هذا القرار. فهل كان رد “حزب الله” أمس على اغتيال شكر بمثابة طلقات “الوداع” لوجود “الحزب” المسلح في وضعه الراهن جنوب نهر الليطاني؟ حتى ولو كان هذا الوداع في إطار صفقة ما يجري تدبيرها بين واشنطن وطهران في الشهور المقبلة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |