“الحزب” خائف من الاجتياح البرّي
منذ اغتيال شكر، كان “الحزب” يبحث عن مخرج للرد يحفظ له ماء الوجه، ويجنّب الجنوب اجتياحاً جديداً يلوح في الأفق. لكن الأمر ليس في يده وحده. والمبادرة هي اليوم في أيدي الإسرائيليين الذين يصعب تقدير خياراتهم، في مرحلة يعتبرون أنها مؤاتية لتحقيق الطموحات، على جبهات مختلفة
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
من المثير أنّ طرفي المواجهة، إسرائيل و”حزب الله”، يحرصان على إبقاء ما جرى يوم الأحد تحت ستار كثيف من الضباب. فلا أحد يفهم سرّ “التزامن”، بفارق ثلث ساعة فقط، بين الرد الموعود لـ”الحزب” والضربة الإسرائيلية المبكرة التي لم يُعرف متى انتهت ليبدأ الرد الإسرائيلي على الرد. كما أنّ أحداً لا يفهم سرّ الستار الحديدي المضروب على المعلومات، بشكل غير مسبوق، في ما يتعلق بالمواقع المستهدفة ونتائج هذه الضربات، سواء في لبنان أو في إسرائيل.
فإصرار الطرفين على الغموض يوحي بوجود لغز في ما حدث. ولا يستبعد بعض المحللين أن يكون في الأمر سيناريو جرى التوافق عليه بين الجانبين، بتشجيع أميركي، لتبرير دخول “حزب الله” في مفاوضات جدية، يديرها آموس هوكشتاين.
عشية 25 آب، كان “الحزب” في وضعية شديدة الإرباك. فهو يدرك أن الرد “الفعلي” على اغتيال فؤاد شكر سيجر عليه عواقب لا يستطيع تحملها، فيما امتناعه عن الرد كان سيضعه في موقع ضعف يقارب الانهزام. ولذلك، وعلى رغم أنّ “الحزب” لم يقدم أي دليل إلى تحقيقه النتائج “المأمول فيها” داخل العمق الإسرائيلي، فهو يتعاطى مع الأمر كإنجاز عسكري مفصلي، وينطلق منه ليقطع الطريق على أي مغامرة عسكرية كبرى تخطط لها إسرائيل. والدليل هو أنّ السيد حسن نصرالله سارع بعد ساعات من “الرد” إلى دعوة أبناء الجنوب لكي “يرتاحوا” ويعودوا إلى منازلهم. ولهذه الدعوة مغزاها السياسي العميق.
ما يريده “الحزب” خصوصاً هو الوقف الفوري لعمليات النزوح التي تسارعت في الجنوب، بشكل مثير للقلق، منذ اغتيال شكر واسماعيل هنية وإعلان “الحزب” وإيران نيتهما اللجوء إلى رد قاسٍ يرجح أن تكون ساحته هي الجنوب، ما يستدرج إسرائيل إلى تنفيذ ضربات أشد عنفاً تصيب الأحياء السكنية بدمار كبير. وهذا ما أدى إلى نزوح واسع يكاد يُفرغ قرى كثيرة من سكانها.
بالنسبة إلى “الحزب”، هذا النزف الديموغرافي من الجنوب هو خط أحمر، لسببين أساسيين:
أولاً، إنّ إفراغ القرى الشيعية في الجنوب من سكانها يؤدي عملياً إلى اهتزاز مركز الثقل السكاني الذي يحتضن شعبيته. وإذا تمادت إسرائيل في تدمير المنازل الفارغة، فسيتعذر على السكان أن يعودوا إلى ديارهم لفترة زمنية طويلة، وسيتوزعون على مناطق لبنانية مختلفة، ما يؤدي إلى إضعاف تماسكهم في ما بينهم ومع “الحزب”. ولذلك، في حرب تموز 2006، حرص “الحزب” بقوة على أن تكون الأولوية هي إعمار القرى وإعادة النازحين.
ثانياً، هذا الفراغ السكاني يسهل على إسرائيل عملياتها في مطاردة عناصر “الحزب” ومقاتليه وتصفيتهم من دون أن تتعرض للانتقادات الدولية باستهداف المدنيين، على غرار ما يحصل اليوم في غزة. وتالياً، هو يسهل على إسرائيل أي عملية توغل برية في الجنوب.
ويجري التداول في الآونة الأخيرة، داخل أوساط ديبلوماسية، في احتمال لجوء إسرائيل إلى تنفيذ اجتياح بري لبضعة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، يتيح إقامة المنطقة العازلة أو الفاصلة التي تطالب بإنشائها في الجنوب، أياً كانت طبيعة التسوية التي ستنتهي إليها الحرب.
يقول الإسرائيليون إن هذه المنطقة يجب أن تنشأ حتماً، نتيجة للمفاوضات مع “حزب الله” إذا أمكن ذلك، ولكن بالقوة إذا تعثر الخيار السلمي. وفي ظل التأييد الأميركي والأوروبي الشامل الذي تتمتع به إسرائيل حالياً، قد تجد حكومة الحرب هناك أنّ الظروف الحالية مثالية لفرض هذه المنطقة بالقوة. ووفق بعض الخبراء، قد لا يكفي إسرائيل لتنفيذ هذه الخطة أن تشن ضربات جوية وتدمر القرى ضمن شريط حدودي بعمق محدد، بل عليها أن تقوم بالتوغل براً لـ”تمشيط” المنطقة أمنياً، كما تفعل في غزة، مستفيدة مما تحظى به من مساعدة عملانية أميركية وأطلسية. وبالطبع، سيتصدى “حزب الله” لهذا الاجتياح، كما فعل في عمليات الاجتياح والحروب السابقة، لكن توازن القوى العسكرية قد يسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها.
لذلك، منذ اغتيال شكر، كان “الحزب” يبحث عن مخرج للرد يحفظ له ماء الوجه، ويجنّب الجنوب اجتياحاً جديداً يلوح في الأفق. لكن الأمر ليس في يده وحده. والمبادرة هي اليوم في أيدي الإسرائيليين الذين يصعب تقدير خياراتهم، في مرحلة يعتبرون أنها مؤاتية لتحقيق الطموحات، على جبهات مختلفة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ماذا سيبقى من “حزب الله”؟ | تغيير جغرافي وديموغرافي يبدأ من الجنوب | إسرائيل ستضرب النووي عاجلاً أو آجلاً |