أخطر كلام للإمام الصدر
قبل 46 عاماً أطلق الإمام الصدر مواقف تتصل بأحوال جنوب لبنان الذي كان غارقا في مواجهات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، واليوم بعد 46 عاماً، كل ما توقعه الصدر قد تحقق على رغم تقلب الأزمنة وتغيير اللاعبين. وهنا تبدو عبارة الصدر “ما يجري حالياً يبعث الخوف في نفسي”، عابرة لكل الأزمنة
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
مرّت السبت الماضي، 46 عامًا على غياب الإمام موسى الصدر ورفيقيّه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. وتميزت الذكرى هذه السنة بما يدور في الجنوب منذ 8 تشرين الأول الماضي من مواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل، ما أدّى إلى أن تصبح القرى الحدودية “أرضاً محروقة” وفق ما ورد في كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في المناسبة. وأمضى بري وقتاً لا بأس به خلال كلمته المتلفزة يتلو أسماء 22 من عناصر الحركة و 9 من المسعفين التابعين للحركة، سقطوا منذ اشتعال جبهة الجنوب قبل ما نحو 11 شهراً. ولو شاء الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أن يحذو حذو بري، لكان عليه أن يقضي وقتاً طويلاً في تلاوة أسماء مئات عناصر “الحزب” وقيادييه الذين سقطوا منذ بدء مواجهات الجنوب إسناداً لحركة “حماس” في غزة.
كان لافتاً أيضاً، أَنَّ بري و”الحزب” ومعهما الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضعوا قضية غياب الإمام الصدر ورفيقيه في سياق واحد، هو ما يجري في غزة وتالياً ما يتّصل بالقضية الفلسطينية. فقال بري أنّ “جريمة” تغييب الصدر ورفيقيه “لم يستفد منها سوى من كان يرى بالإمام الصدر ومشروعه النهضوي والإنساني خطراً عليه وعلى مشاريعه التقسيمية والطائفية والعنصرية، وفي مقدم هذه المشاريع المشروع الإسرائيلي الذي يتمظهر الآن بأبشع وأقبح الصور في غزة والضفة ولبنان”.
بدورها قالت مقدمة تلفزيون “المنار” في نشرتها المسائية السبت الماضي :”في الذكرى السادسةِ والأربعينَ لتغييبِ اِمامِ الوطنِ والمقاومةِ السيد موسى الصدر ورفيقيه، يُحيي اللبنانيون الذكرى والنهجَ ببذلِ الدمِ وجميلِ الصبر، ونصرةِ غزةَ وفلسطين”.
وفي سياق متصل، نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، في الذكرى السادسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفاقه، ندوة فكرية تحت عنوان “فلسطين في فكر الإمام موسى الصدر”. وركز المستشار الثقافي الإيراني في لبنان كميل باقر زاده في كلمته على “منظومة الإمام موسى الصدر الفكرية بكونها الأكثر قيمة”. وقال إن قضية فلسطين عند الصدر ، تتقاطع مع فكر المرشد علي خامنئي في سبع نقاط أساسية أبرزها “إنّ قضية فلسطين هي قضية لبنان الأولى”.
قبل 46 عاماً أطلق الإمام الصدر مواقف تتصل باحوال جنوب لبنان الذي كان غارقاً في مواجهات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. ونشر موقع الامام الصدر الالكتروني مقابلة أجرتها مع الصدر مجلة LE NOUVEL OBSERVATEYUR الفرنسية في الرابع من آذار 1978، أي قبل نحو ستة أشهر من اختفاء الإمام في ليبيا. في هذه المقابلة وصف الصدر جنوب لبنان بأنه “النقطة الأكثر تفجراً في المنطقة بصفتها الجبهة الشمالية لإسرائيل”. وقال انه “لم يعد هناك من وجود للإدارات المدنية أو العسكرية اللبنانية. كما أن السلطة المركزية مفقودة منذ بداية الأحداث عام 1975 .وهكذا نرى كيف أن الفلسطينيين بصفتهم المسلحين الوحيدين ،بدوا الضمانة الوحيدة لحفظ الأمن ضد إسرائيل.. ولكن سريعاً جداً وبعد الاحتكاك بهم ، إرتكب بعض الفدائيين تجاوزات كبيرة بحق المواطنين”. وسألت المجلة الإمام: “هل تخشى من عدم القدرة على تهدئة الشعب فترة أطول؟” فأجاب: “نحن، بصفتنا مسلمين شيعة ، لنا إرتباطات وثيقة مع الفلسطينيين، ويعود هذا بدون شك إلى أننا عشنا سوية فترة طويلة في جنوب لبنان وفي ضواحي بيروت، ولإننا أيضا، الفئات الأكثر حرماناً في لبنان. ومنذ عام 1948 أبدى اللبنانيون في الجنوب مواقف بطولية ، فرفضوا دائما إجراء أي تعاون إقتصادي مع الإسرائيليين برغم إهمال الحكومة اللبنانية لهم إهمالاً تاماً. ومنذ عام 1965 وحّدوا قواهم مع الفلسطينيين، وأغلب الأحيان كانوا يدفعون دمهم ثمناً لذلك. لكن اليوم ، هناك اليأس والاستياء عند الجميع وأحاول جاهداً جعلهم يتحلّون بالصبر، ونجحت في عدم تركهم يحملون السلاح ضد إخوانهم الفلسطينيين، السلاح الذي يعطى لهم بكثرة ومن جميع الجهات. منها إسرائيل بالطبع، وكذلك إيران. وفي محاولة لجعل المسلمين يشهرون السلاح في وجه الفلسطيني يستخدم شاه إيران منطق السياسة الأميركية نفسها في المنطقة “.
وسألت المجلة الإمام الصدر :وكيف يحصل أن قادة المقاومة ، الذين يجب أن يحسبوا حسابا لهذا الخطر لا يعملون على ضبط قاعدتهم؟ فأجاب:”- أولاً، لأنهم في أرض غريبة وليس لديهم المجال الكافي، وثانياً وعلى الأخص لأنهم منقسمون، فداخل المقاومة الفلسطينية كل دولة عربية لها جناحها الذي تموله لخدمة مصالحها الخاصة: الجناح العراقي، الليبي، السعودي الخ… البعض يعتمد حتى أسوأ المواقف السياسية لمنع إقرار أي حل، أو أية مفاوضات قد تجري مع إسرائيل، لكن يجب على منظمة التحرير الفلسطينية ورغم كل شيء، ضبط قاعدتها للتوصل إلى حل بشأن الفوضى المتفشية في الجنوب. لقد ناقشت هذا الأمر، جدياً مع بعض قادة المقاومة. ويبدو أنهم مصممون فعلياً على ضبط عناصرهم. كما يجب على منظمة التحرير السماح للسلطات اللبنانية بممارسة واجباتها من جديد في الجنوب. وفي حال عدم حصول ذلك، فإن الوضع يزداد خطورة. وما يجري حالياً يبعث الخوف في نفسي. وفي حال عدم استتباب الأمن والهدوء بسرعة، سيتدخل الجيش الاسرائيلي بحجة حماية حدود بلاده، وسيقضي على المقاومة الفلسطينية. وفي حال إكمالها لخطتها حتى المحور الفاصل بين لبنان وسوريا – مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية – سترى سوريا نفسها مهددة كذلك. وهذا يجر إلى حرب شاملة في لبنان”.
بعد 46 عاماً، كل ما توقعه الصدر في حواره مع المجلة الفرنسية قد تحقق على رغم تقلب الأزمنة وتغيير اللاعبين. ولا داعي هنا لبذل جهد كي يجري إسقاط مواقف الصدر في ذلك الزمن على الزمن الحالي. وهنا تبدو عبارة الصدر “ما يجري حالياً يبعث الخوف في نفسي”، عابرة لكل الأزمنة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سلاح “الحزب”: من إيران وإلى إيران يعود | فعلها قاليباف مجدداً فهل سيردّ بري؟ | وداعاً “حزب” إيران |