المطلوب استرداد 140 مليار دولار وليس فقط 140 مليونًا
إذا كان رياض سلامة وحدَه المبذِّر، فكأنكم تقولون للناس لن تعود ودائعكم، لأنّ المليارات المئة والأربعين ليست في جيبه، أما إذا كانت الدولة هي المسؤولة فعندها بالإمكان بدء الحديث عن استرداد الودائع.
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، رفع الستارة عن “خشبة المسرح” وبات السؤال التالي مشروعًا: هل نحن أمام انتفاضة قضائية تعوّض ما شاب هذه السلطة من عقبات أو تلكؤ أو لامبالاة؟ أم نحن أمام مسرحية أُعدّت بإتقان تتضمن بدايةً وعقدةً وختامًا؟
حتى اليوم لا أحد يمكنه الإجابة، لأنّ الجواب ينتظر الاستجواب الذي سيتم أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي بلال حلاوي، بعد غدٍ الإثنين، بعد الإحالة من قِبَل النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، وعندها سيبدأ يظهر ما إذا كانت في الأمر مسرحية أم مسارٌ قضائي عُرِف أين بدأ لكن لا يُعرَف كيف سينتهي.
لكن السؤال المُلِح الذي يسبق كل هذا المسار هو :
هل المشكلة في الـ ١٤٠ مليون دولار عمولة؟ أم في الـ ١٤٠ مليار دولار مجموع أموال المودعين، من لبنانيين مقيمين ومغتربين ومن مودعين عرب وأجانب؟
الجميع أصبح شغلهم الشاغل الـ ١٤٠ مليون دولار، وهذه النقطة سيكون من السهل جدًا توضيحها، ومعرفة مصير هذا المبلغ واسترداده، إذا خرج من دائرة الشبهة إلى دائرة الجرم، لكن هل مَن يتلفّت إلى الـ ١٤٠ مليار دولار، وهو مجموع أموال المودعين والتي منذ ١٧ تشرين ٢٠١٩ بات مصيرها مجهولاً!
عمليًا ، صفة “مجهول” لا تنطبق على مصير هذه المليارات: هي ودائع الناس في المصارف التي أودعتها مصرف لبنان الذي أقرض الدولة التي أنفقتها. إذا كان المودعون يريدون استرداد اموالهم، فعلى الدولة أن تعيد الأموال إلى مصرف لبنان الذي بدوره عليه أن يعيدها إلى المصارف التي عليها أن تعيدها الى المودعين، هكذا تدور السلسلة في الاتجاه المعاكِس وتُحَل المشكلة.
في هذه السلسلة هناك أربعة أضلع : المودِع، المصرف، مصرف لبنان، الدولة. اختزال الأمر بضلع واحد، هو حاكم مصرف لبنان، هو دفنٌ لرأس المشكلة في الرمال، وإذا كان رياض سلامة هو عقدة الوصل في هذه السلسلة، فيجب ألّا يقتصر التحقيق على ملايين العمولة، بل أن يطاول مصير مليارات المودِعين، وهذا يستدعي من رياض سلامة أن يكشف مَن كان يطلب منه الصرف؟ وما هي وجهة الصرف؟
فتح الملف على مصراعيه، يستلزم التحقيق مع كل مَن أنفق قرشًا من الدولة: من مجلس الإنماء والإعمار إلى مجلس الجنوب وسائر المجالس ، إلى وزارة الطاقة والوزراء المتعاقبين عليها ، إلى القطاع الخاص ولا سيما منه نقابة مستوردي المواد الغذائية ونقابة أصحاب السوبرماركت، وهؤلاء جميعًا استفادوا من مليارات الدعم التي بلغت سبعة عشر مليار دولار، إلى فاتورة الأدوية المدعومة التي كانت تُهرَّب إلى الخارج،
هذا ليس كل شيء، هذا غيض من فيض ، هناك أيضًا سلسلة الرتب والرواتب التي كسرت ظهرَ خزينة الدولة، وهناك تخمة التوظيفات في الإدارات الرسمية، كل الملفات التي سبقت شكّلت المزراب الذي تسربت منه المليارات الـ ١٤٠. فإذا كان رياض سلامة وحدَه المبذِّر، فكأنكم تقولون للناس، لن تعود ودائعكم، لأن المليارات المئة والأربعين ليست في جيبه ، أما إذا كانت الدولة هي المسؤولة، بالتكافل والتضامن مع مصرف لبنان والمصارف، فعندها بالإمكان بدء الحديث عن استرداد الودائع.
صوِّبوا في هذا الاتجاه إذا كنتم تريدون استرداد ودائعكم، أما إذا اقتصر التصويب على رياض سلامة ، فإنّ النتيجة ستكون مجرد فشة خلق لا تقدِّم ولا تؤخر، بل ربما تؤخِّر .
مواضيع مماثلة للكاتب:
جلسة انتخاب الرئيس… هل تكون آخر ” أرانب” بري؟ | هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها |