سجناء “رومية” يصعّدون تجاه الأوضاع اللاإنسانية


خاص 11 أيلول, 2024

سجن رومية أكبر السجون في لبنان والذي يضمّ أكثر من 4000 سجين فيما سعته الحقيقة لا تتعدّى الـ 1200 سجين فقط، يعاني الأمرّين على كافة الأصعدة، مبنى مهترئ، نقص في العتاد الأمني، اكتظاظ سجناء، شح في الأطباء والمستلزمات الطبية والإسعافات الضرورية ناهيك عن الطعام وأمور النظافة

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

لا ترقى أوضاع السجون في لبنان إلى الحدّ الأدنى من معايير سجون العالم التي تحترم كرامة الإنسان، وبات واقعها الآن يحوّلها يوماً بعد يوم إلى مقرّات للتعذيب جسدياً ونفسياً ويجعل من نزلائها مشاريع ضحايا مُهدّدين بالموت في أي لحظة، تماماً كما حال أقبية التعذيب لدى الأنظمة الشمولية.

طال انتظار الفرج لمعالجة الأوضاع اللاإنسانية في السجون التي تعلو معها صرخات الموقوفين المنتظرين تحديد جلسات محاكماتهم بفارغ الصبر، حتى باتوا يتنفسون الصعداء في “كزدورة” سوقهم مخفورين الى قاعات المحاكمة، علّهم يعودون من جلستهم، إن لم تُؤجّل، ببريق أمل بأنّ الفرج آتٍ لإنهاء معاناتهم.

في خطوة تصعيدية حصلت خلال الساعات الماضية، أعلن سجناء المبنى “ب” في سجن رومية بدء حالة “الإغلاق” في المبنى المذكور، احتجاجاً على المعاناة التي يعيشونها داخل السجن لا سيما بعد وفاة زميلهم السجين عمر حميّد الذي قضى بنوبة قلبية ولم يتم إسعافه. وبموجب هذه الخطوة أعلن السجناء رفض استقبال الطعام والخبز المقدّم من إدارة السجن ومقاطعة حانوت المبنى (الدكّان الذي تُباع فيه المأكولات)، مهدّدين باستمرار خطواتهم التصعيدية السلمية حتى تحقيق مطالبهم الإنسانية المحقة في ملفات الطبابة والغذاء والدواء. وطالب المحتجون مقابلة موفد من قبل رئاسة الحكومة لشرح أوضاعهم المزرية ونقل مطالبهم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

كلّ سجين “مشروع موت بطيء”

“هنا لبنان” تواصل هاتفيّاً مع السجين “محمود.م” من داخل “المبنى ب” للوقوف على دواعي هذا التصعيد ، فعبّر عن معاناة السجناء منذ سنوات طوال وقد أجّجتها وفاة السجين عمر حميد فصار كلّ سجين يعيش بحالة الموت البطيء. برأي “محمود” أنّ “كل سجين معرض للمصير ذاته وأن يلقى حتفه في أيّ لحظة ومع أيّ طارئ طبي يتعرّض له، فالوضع الطبي سيئ ولا يوجد خدمات أساسية. تواصلنا مع إدارة السجن وقدّمنا مطالبنا الإنسانية بشأن ضرورة وجود طبيب مناوب كلّ الوقت وتزويده بإسعافات أوليّة وكذلك وجود سيارة إسعاف قريبة للنقل السريع للحالات الطارئة، كما طالبنا بالسماح للأهل بإدخال الطعام بشكل دوري فجاء الرفض من الإدارة، لذلك اتخذنا قراراً ببدء خطوات تصعيدية سلميّة علها تساهم في إيصال صوتنا”.

نزيل “المبنى ب” وصف الوضع في سجن رومية بالكارثي ، “فمنذ سنوات ونحن نعاني ونستغيث ولا أحد يسمعنا أو يتحدث عن أوجاعنا فحالنا كأصحاب القبور قليلٌ فقط من يذكُرهم”. “محمود” لفت إلى تدهور ظروف السجن منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان العام 2019، مناشداً الجهات المعنية لتحمّل مسؤولياتها قبل فقدان المزيد من السجناء بسبب الإهمال الطبي وفقدان أدنى مقومات العيش الكريم.

“رومية”.. مستوى لاإنساني

يمكن اختصار وضع السجون في لبنان بين السيئ والسيئ جدًّا، وفي كلّ الأحوال باللاإنساني، أما وظيفة التأهيل والإصلاح المفترض أن تتواجد فيها فحدّث ولا حرج، فلولا المبادرات الفردية التي تقوم بها بعض الجمعيات الأهلية والمدنية لتفاقم الوضع أكثر، وتبقى معاناة المساجين كبيرة تُعبّر عنها بين الحين والآخر اعتصاماتٌ وأعمالُ شغبٍ وفرار وتشطيب للجسد.

سجن رومية أكبر السجون في لبنان، يعاني الأمرّين على كافة الأصعدة، مبنى مهترئ، نقص في العتاد الأمني، اكتظاظ سجناء، شح في الأطباء والمستلزمات الطبية والإسعافات الضرورية ناهيك عن الطعام وأمور النظافة حتى وصل الأمر بالنزلاء فيه إلى وصفه بـ”الزريبة”.

“هنا لبنان” حمل قلق السجناء إلى مصدر مسؤول داخل سجن رومية المركزي، فأكد أنّ “حالة السجن تسوء يوماً بعد يوم، فالاكتظاظ حدّث ولا حرج، وهناك نقص في عديد العسكريين الذين يتوزعون المهمات داخل سجن رومية بين سوق وحرس وغيرها. أما الطبابة فهي دون المستوى الإنساني المطلوب، والأكل انحدرت نوعيته، حتى الدجاج الذي كان يقدّم مرتين أسبوعياً في وجبات السجناء غاب عنها ولم يبقَ من اللحمة سوى اللحم المفروم المطبوخ مع الأرز (أرز باللحم) الذي يقدّم ثلاث مرات أسبوعياً. أما المباني والأدوات الصحية فمهترئة”. تكمن المعضلة الأساسية التي لفت إليها المصدر المسؤول في “رومية” في البطء بالمحاكمات وجلسات التحقيق التي تستغرق سنوات عديدة وقد يصدر الحكم بعقوبة أقلّ من المدة التي قضاها السجين إن لم تجر تبرئته، داعياً إلى “إعادة النظر بالأحكام المرتفعة وكلّ ذلك يصب في مسألة التخفيف من الاكتظاظ”.

ويرى المصدر أنّ ذروة مشاكل سجن رومية هي في وجود الأجانب لا سيما السوريين الذين يشغلون أكثر من أربعين بالمئة من نسبة السجناء، وهي نسبة عالية جداً تستوجب إيجاد حلّ فوري لها”. وأضاف:” أُبلغنا بمطالب السجناء واعتكافهم عن استلام الطعام والشراب والدواء لحين تحقيق مطالبهم، وسننقلها للمعنيين وتتلخّص بما يلي:

-وجود طبيب في السجن 24 ساعة في اليوم.

-تعزيز الصيدلية بالأدوية التي تتطلبها الحالات الطارئة (حبة تحت اللسان عند ارتفاع الضغط، إبر الأنسولين للسكري…)

-الحصول على مساعدات عينية (إعاشات تتضمن أطعمة ومعلّبات وحرامات وسواها).

-نقل طلباتهم ومعاناتهم إلى رئيس الحكومة لإيجاد حلول لها.

ويعتبر سجن رومية من أكبر السجون في لبنان وهو يضمّ أكثر من 4000 سجين، فيما سعته الحقيقة لا تتعدّى الـ 1200 سجين فقط. وتعددت الخطوات التصعيدية في “رومية” في العقد الأخير وإن اتخذت هذه المرة طابعاً سلميّاً، إلا أنّ إشكالات وحالات تمرّد عديدة تمّت داخل السجن، أبرزها التمرّد الذي حصل في العام 2020 بسبب الخوف من فيروس كورونا، وفي العامين 2015 و2011 عندما أفضى التمرّد إلى احتجاز عدد من العناصر الأمنية وإضرام النار في الفرش والأمتعة. وعلى السلطات المعنية اتخاذ التدابير اللازمة العاجلة لتحسين أوضاع السجون كي لا تُنتج سجناء حاقدين على سجّانيهم وإنما لتكون أماكن إصلاح قادرة على مساعدة هؤلاء للانخراط وتقبّلهم في المجتمع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us