خطة إسرائيل في لبنان: الحرب بالتقسيط المريح!


خاص 12 أيلول, 2024

ستحافظ إسرائيل على أسلوب الضربات والاغتيالات المعتمد حالياً حتى إشعار آخر. فهذا الأسلوب فعال جداً، ولا يكلفها كثيراً، لكنه يكبد “الحزب” خسائر بالمقاتلين، ويكرس التدمير في المنطقة الحدودية التي أصبحت شبه مشلولة، بحيث يمكن أن تكون نواة للمنطقة العازلة التي تطالب إسرائيل بإنشائها

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في الأسابيع الأخيرة، وصلت رسائل أميركية إلى الحكومة اللبنانية خلاصتها ما يأتي: في هذه الفترة، لا تعتمدوا علينا لمنع توسيع الحرب. عندنا انشغالاتنا الانتخابية، وتأثيرنا على بنيامين نتنياهو ربما لم يعد كافياً، ولا جدوى من جولات جديدة لعاموس هوكشتاين، لأن وساطته تدور في دائرة مقفلة. ومن مصلحة لبنان تجنب دفع الأمور إلى الانفجار الكبير في هذه اللحظة الحساسة.

وفي الواقع، على مدى أشهر مضت، سعت حكومة نتنياهو إلى الحصول على ضوء أخضر أميركي لعملية كبرى في لبنان، لكنها فشلت. فصحيح أن واشنطن منحت إسرائيل كل تغطيتها السياسية ودعمها العسكري في الحرب مع “حزب الله” في لبنان و”حماس” في غزة، لكنها منعتها من توسيع الحرب لتشمل العمق اللبناني، وأبلغتها بأن المسّ بمصالح لبنان الحيوية والاستراتيجية هو خط أحمر، لأنه يوقع هذا البلد وسلطته المركزية الهشّة في فوضى يصعب ضبطها.

وخلال مراحل سابقة من الحرب الدائرة في الجنوب، بقي “الحزب” يراهن على وعود قطعها له هوكشتاين، بأن إسرائيل لن تتجاوز قواعد الاشتباك الحالية، ولن تشن حرباً واسعة على لبنان أو تقوم باجتياح الجنوب، خصوصاً إذا حافظ “الحزب” على قواعد اشتباك “منخفضة السقف”.

ولذلك، وعلى رغم قساوة الضربات التي تنفذها إسرائيل وعمليات الاغتيال التي تستهدف أعداداً كبيرة من كوادره ومقاتليه، يتجنب “حزب الله” توسيع ضرباته لأهداف إسرائيلية. وعندما وجد نفسه مضطراً إلى الرد على اغتيال فؤاد شكر، لضرورات استعادة المعنويات، اعتمد أسلوب الرد الذي يوحي بأنه “صاخب ومدوٍّ”، ولكنه في الواقع هزيل النتائج. وبمعزل عما إذا كان الحزب قادراً على تحقيق أهداف عسكرية أو لا، فإنه بالتأكيد تجنب إحراج إسرائيل ومنحها ذريعة لتوسيع الحرب. وهذا الأسلوب يحظى بموافقة إيران التي كانت هي أيضاً قد اكتفت بردٍّ “استعراضي” على إسرائيل، في نيسان الفائت.

في أي حال، حتى الآن، لا يبدو الطاقم الحاكم في إسرائيل مستعداً للدخول في حرب واسعة على الجبهة الشمالية. وهناك 3 أسباب أساسية تدفع إلى ذلك:

1- يعتبر نتنياهو وفريقه أن الحكمة تقتضي عدم خلق أزمة جديدة مع إدارة بايدن والأوروبيين، بسبب الحرب في لبنان، خصوصاً أن الأميركيون يمنحون إسرائيل دعماً مطلقاً في ملف غزة، وهذا هو الأهم، لأن هذا الملف هو الاستراتيجي الأكثر حيوية في الوقت الحاضر لأن الهدف الذي تعمل له إسرائيل هناك هو تصفية الملف الفلسطيني. وهذا الهدف يتعلق عضوياً بكيان إسرائيل واستقراره. وأما الحرب مع لبنان فهي هامشية ويقتصر الهدف منها على إنشاء منطقة عازلة تضمن الأمن للجنود على خط التماس ولسكان الشمال.

2- في داخل فريق نتنياهو، هناك سياسيون وعسكريون يحذرون من أن التورط في حرب كبرى في لبنان سيؤدي حتماً إلى استفزاز إيران. فموقع “الحزب” بالنسبة إليها ليس كموقع “حماس”، ولذلك، هي لن تقف مكتوفةً إذا تعرض حليفها الشيعي الأول لخطر حقيقي، ما يعني أن المغامرة بتوسيع الحرب في لبنان سترشحها لتصبح حرباً إقليمية يصعب تقدير عواقبها.

3- يتجنب القادة العسكريون في إسرائيل توريط الجيش في الوحول اللبنانية، فيما هو منخرط بالكامل في المواجهة مع “حماس” في غزة والضفة الغربية. وفي رأي هؤلاء أن من الواجب عدم إشغال الجيش على الحدود اللبنانية، إلى أن يرتاح من معالجة الملف الفلسطيني.

هذه المعطيات تدفع إسرائيل إلى تجنب “تكبير الحجر” في لبنان، على الأقل حتى انتهاء الحرب في غزة والضفة، خصوصاً أن لا شيء يستدعي الاستعجال على جبهة لبنان. والخيار الأنسب الذي توصلت إليه هو الحفاظ على أسلوب الضربات والاغتيالات المعتمد حالياً، حتى إشعار آخر.

فهذا الأسلوب فعال جداً، ولا يكلف الإسرائيليين كثيراً، لكنه في المقابل يكبد “حزب الله” خسائر بالمقاتلين، ويكرس التدمير في المنطقة الحدودية التي أصبحت شبه مشلولة، بحيث يمكن أن تكون نواة للمنطقة العازلة التي تطالب إسرائيل بإنشائها.

وأما حملات التهويل بإشعال الحرب على مداها في لبنان فلا فاعلية حقيقية لها، وهي أشبه بالبالونات الحرارية التي تهدف إلى الضغط على “حزب الله” وبيئته والحكومة اللبنانية التي لا حيلة لها سوى التفرُّج على ما يجري وإحصاء الخسائر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us