لبنان مجرّد فأر اختبار!


خاص 23 أيلول, 2024

في 17 أيلول 2024، كان لبنان فأر اختبار لنوع وشكل جديد من الإجرام… ومن الآن فصاعداً، لن يكون لبنان وحيداً، بل سيصبح العالم برمتّه مسرحاً لموت يأتي من حيث ندري ولا ندري.

كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:

نحن أصبحنا جزءاً من التاريخ وستذكر الكتب الالكترونية في المستقبل اللبنانيين الذين كانوا شهود عيان على مرحلة مفصلية من التاريخ البشري، يوم تغيّر كل شيء إلى الأبد ودخل العالم من على عتبة هذا البلد الصغير مسرح حروب التكنولوجيا، بعد أن كتب اللبناني بدمه أول سطر من كتاب “الأجهزة المتوحّشة”.

بعيداً من المبالغة، صباح 17 أيلول 2024 كان آخر يوم من الحروب التقليدية، وبعد ظهره كانت بداية نوع جديد من الصراعات التي أصابت العالم برمتّه بالخوف والقلق. وكلّ من لم يصبه إنفجار “بايجر” على خصره، شعر بأنه ضحية جهاز لم ينفجر بيده أثناء متابعته الأخبار.

وربما لأول مرّة، وبعد حدث أمني كبير مثل الذي تم تنفيذه في لبنان، لم تكن الناس تتضامن مع اللبنانيين، بل كانت تتضامن مع نفسها حتى وإن كان الحدث بعيداً عنها آلاف الكيلومترات.. فمن أميركا إلى أوروبا وأفريقيا والصين وأوستراليا، ومن كل بقعة على الكرة الأرضية كان واضحاً في الفيديوهات والتعليقات حجم خوف الناس من أجهزتهم المحمولة، وكانوا كما الذين ينتظرون موتهم مجتمعين وهم يقولون نحن “الشهود الشهداء”.

بعيداً من اللعبة السياسية والعسكرية في ذلك اليوم، والمعارك التي تدور بين حزب الله وإسرائيل… الذي حصل في 17 أيلول ليس خيالاً علمياً ولا فيلماً هوليوودياً، لأن حتّى الكتّاب والمنتجين السينمائيين لم يفكّروا بعد بهذه الدرجة من السوريالية وبهذا الكمّ من الإجرام الذي يمكن ترجمته بهذه الدقّة، وليس هناك فيلم واحد يحاكي ما حصل في لبنان.

انظروا أين أخذنا هذا العالم، حتى بات بإمكاننا أن نطرح أسئلة تعجز مخيّلة الأطفال أن تفكّر فيها. ويا ترى ما هي الأشياء المفخّخة التي نمتلكها في أسخف مهامنا اليومية؟ وكيف ستصبح عمليات الاغتيال من الآن فصاعداً؟

فهل ستصبح أخبار الاغتيال مضحكة على قدر ما هي مؤلمة ومرعبة؟ وهل سنسمع مثلاً خبر اغتيال رجل يمارس الرياضة الصباحية على الكورنيش بانفجار سمّاعات أذنه اللاسلكية؟ أو اغتيال ربّة منزل بانفجار مجفّف شعرها؟ أو ستنهمر علينا أخبار الاغتيالات من أكثر الأماكن غباء، خاصة بعدما أصبح كل جهاز في حياتنا اليومية ذكيّاً. فمن يمنع المجرمين بعد 17 أيلول من استخدام أي شيء لتنفيذ عملياتهم، ومن سيمنعهم من تفخيخ الهواتف الذكية مثلاً وقتل حامليها عند الضرورة بكل سهولة ودقّة، أو وضع عبوات في الكومبيوترات والتلفزيونات والبرادات والغسالات والمكيّفات وكاميرات المراقبة وأجهزة تحضير الطعام، أو في السيارات الكهربائية الذكية وأجهزة قياس الوزن وقياس الحرارة والمكنسة الكهربائية والريموت كونترول… باختصار، لم يعد هناك جهاز آمن وغير قابل للتفجير، طالما أن التكنولوجيا من جهة تسمح بذلك، وطالما أن الفكر الإنساني من جهة ثانية لا يوفّر شيئاً للتعبير عن وحشيته وإجرامه.

اللعبة باتت مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا يمكن استبعاد أي سيناريو مهما كان غريباً ووحشياً، طالما أن التكنولوجيا التي نتهافت على امتلاكها بشراهة تسمح بذلك. وإذا سلّمنا جدلاً أنه تم استخدام مواد متفجّرة تقليدية في عملية “البايجرز” في لبنان، فمن غير المستبعد في المستقبل القريب أن تتطوّر العمليات، ويتمّ زراعة كميات ضئيلة جداً من المتفجرات غير التقليدية في أجهزة محمولة وتنفيذ عمليات اغتيال كبيرة، يذهب ضحيتها عدد من المجتمعين في غرفة بمتفجرات كيماوية أو نووية أو بيولوجية أو إشعاعية، وهذه المواد قادرة بكميات أقل أن تحدث أضراراً أكبر بكثير من المتفجرات وعلى مساحة أوسع.

في 17 أيلول 2024، كان لبنان فأر اختبار لنوع وشكل جديد من الإجرام… ومن الآن فصاعداً، لن يكون لبنان وحيداً، بل سيصبح العالم برمتّه مسرحاً لموت يأتي من حيث ندري ولا ندري.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us