حوالات المغتربين…طوق نجاة النازحين في الحرب
في خضم الحرب، كان لشركات تحويل الأموال دور لافت خلال الأيام الماضية، حيث شهدت معظمها اكتظاظاً كبيراً، فالنازحون من مناطق القصف تلقوا الدعم عبر التحويلات المالية من أقاربهم، كجزء من الجهود الانسانية لتخفيف معاناتهم وتلبية احتياجاتهم، بعد أن أمنت لهم الدولة مراكز إيواء لم تستوعب أعدادهم التي ناهزت النصف مليون نازح
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
بعد أن وسعت إسرائيل دائرة غاراتها الجوية على امتداد جغرافيا المناطق اللبنانية في إطار التصعيد المفتوح مع حزب الله ونقل ثقلها العسكري إلى الشمال، واستهداف عمق لبنان، بقصف هو الأعنف منذ مشاركة “الحزب” بـ “حرب مساندة غزة”. فرّت آلاف العائلات الجنوبية والبقاعية نحو بيروت والجبل تاركة خلفها كل شيء للنجاة من الموت.
أمام هذا التطور الميداني الجديد، وفي خضم الحرب، كان لشركات تحويل الأموال دور لافت خلال الأيام الماضية، حيث شهدت معظمها اكتظاظاً كبيراً، فالنازحون من مناطق القصف على ما يبدو أنهم تلقوا الدعم عبر التحويلات المالية من أقاربهم، كجزء من الجهود الإنسانية لتخفيف معاناتهم وتلبية احتياجاتهم، بعد أن أمنت لهم الدولة 400 مركز إيواء، لم تستوعب أعدادهم التي ناهزت النصف مليون نازح، دون أن تتطلع لمتطلباتهم الأساسية.
وللوقوف عند هذا الموضوع، جال “هنا لبنان” على مراكز عدة لتحويل الأموال في بيروت ورصد حركة غير معتادة، فمن يريد استلام أو تحويل الأموال عليه الانتظار ساعة وربما أكثر كي يتمكن من إتمام العملية.
وكيل تحويل أموال رفض الكشف عن اسمه أكد لموقعنا أنّ المراكز في جميع أنحاء بيروت مكتظة والمواطنون يقفون بالطوابير بانتظار دورهم .
ويلفت إلى أن “معظم التحويلات تأتي من أفريقيا وأستراليا وأميركا ودول الخليج، فيما يقوم بعض المواطنين بتحويل الأموال داخلياً لأقاربهم المتضررين من الحرب”.
وعن المبالغ المرصودة يلفت الوكيل: “هناك تحويلات تخطت الخمسة آلاف دولار، مشيراً الى ان بعض العائلات تتلقى أكثر من حوالة في اليوم حيث يتم إرسالها لأسماء مختلفة من أفرادها لأن هناك سقفاً معيناً للحوالات الشهرية”.
ويقول الوكيل: “هذا النزوح تصادف مع أزمة اقتصادية كبيرة ما رتّب على النازحين أعباءً مالية، خصوصاً أن معظمهم فقد مصدر رزقه نتيجة نزوحهم عن بلداتهم، لذا كان لا بد من الاستغاثة بالمغتربين لانتشالهم من مأزقهم في ظل دولة عاجزة حتى عن تأمين الغذاء والدواء و”حزب” ربما ترك النازحين لمصيرهم”.
المشهد نفسه تكرر في منطقة عاليه، مراكز تحويل الأموال معظمها “مفوّلة” ومواطنون عالقون ينتظرون فرج الحصول على “حوالتهم”.
جواد (اسم مستعار) والد لثلاثة أطفال هُجّر من منزله في البازورية بعد أن استهدفت الطائرات الإسرائيلية المنطقة.
يجلس في إحدى مراكز تحويل الأموال في عاليه، بانتظار دوره واستلام مبلغ 2500 دولار كان قد أرسله له شقيقه من فرنسا، كمساعدة لتأمين مصاريف المسكن ونفقات الحياة اليومية المكلفة.
ويقول جواد لـ هنا لبنان” أنه يعتزم استئجار منزل وبعدها شراء الملابس والطعام لأطفاله”.
وفي صيدا أيضاً تلقت مئات العائلات تحويلات مالية من المغتربين.
وزاد عمل شركات تحويل الأموال في الأيام القليلة الماضية 100% تقريباً حتى أن معظمها أقفل أبوابه باكراً بعد أن نفذت السيولة لديه بسبب الكم الهائل من التحويلات.
فكيف يفسر الاقتصاديون هذه الظاهرة؟
الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يرى أن ظاهرة زيادة حركة النازحين من الجنوب لدى شركات تحويل الأموال، وخاصة لتلقي مساعدات من الأقارب، تُعتبر نتيجة طبيعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يواجهها هؤلاء النازحون. إذ يعتمد الكثير منهم على الدعم المالي من الأقارب في الخارج لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء، السكن، والعلاج. ومع ذلك، إذا كانت المبالغ كبيرة نسبيًا، فقد يكون ذلك مؤشرًا على شبكات دعم أكبر تمتد إلى أقارب أو معارف في الشتات، أو حتى عمليات جمع تبرعات جماعية”.
ويتابع: “بالنسبة لحجم هذه الظاهرة، من الصعب إعطاء رقم محدد دون بيانات إحصائية دقيقة من شركات تحويل الأموال أو المؤسسات الحكومية التي تتابع تدفق الأموال، لكن يمكن أن تتزايد هذه الحركات في أوقات الأزمات أو التصعيد الأمني، حيث يعتمد الأفراد بشكل أكبر على الدعم الخارجي لتجاوز المحن”.
ومن الجدير بالذكر أن حجم التحويلات قد يتفاوت بين الأفراد، وهناك من يتلقى مبالغ صغيرة لتغطية الحاجات اليومية، بينما يتلقى آخرون مبالغ أكبر قد تكون مخصصة لأغراض مثل إعادة البناء أو معالجة أوضاع أكثر تعقيدًا كالنفقات الصحية الكبيرة.
لذا الأمر يستدعي أيضًا مراقبة وتحليل هذا التدفق المالي لمعرفة تأثيره على الاقتصاد المحلي والأفراد المتضررين.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |