بري أمينًا عامًا لـ”الحزب”؟
هل من مبالغة في القول أنّ الأمانة العامة لـ “الحزب” أصبحت ملقاة على عاتق بري؟ من يتابع التطورات المتلاحقة والمذهلة في الضاحية الجنوبية لبيروت كما في الجنوب والبقاع يدرك أنّ بري صار وحيداً على مستوى المسؤولية الرسمية والسياسية الشيعية. فهو يحظى حالياً بالظهور والتحرك العلني في مقر معروف، بينما لم يعد لـ “الحزب” أي مقر معتمد رسمياً في كل لبنان
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
قد يبدو مستغرباً، أن يكون مطروحاً أن يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري والذي هو أيضاً رئيس حركة “أمل” الأمانة العامة لـ”حزب الله”. لا بل إنّ الأمر يبدو ضرباً من ضروب الخيال منذ أن أبصر “الحزب” النور في ثمانينات القرن الماضي. وأتت المرحلة التي تولى فيها حسن نصرالله الأمانة العامة لـ”الحزب” منذ العام 1992 ولغاية رحيله في نهاية الشهر الماضي لتكرس ثنائية “حزب الله” وحركة “أمل”. ومثّل التنظيمان على مدى أكثر من ثلاثة عقود حلفاً يجمع طرفين كما لو كانا خطين مستقيمين لا يلتقيان، فإذا ما التقيا، “فلا حول ولا قوة إلا بالله..” كما يقال.
من أين أتت فكرة أن يحتل بري هذا الموقع الجديد؟ إنّها ببساطة وردت بصورة مضمرة على لسان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم الذي هو وزير “حزب الله” في الحكومة. فقد صرّح الأخير بعد لقائه بري قبل أيام :”أكدنا لدولة الرئيس وهو يعلم ذلك أنّ المقاومين وكل المناضلين والصامدين يعتبرونه المفاوض بإسمهم”. وقال: “لا خيار لنا إلا بالصمود والإنتصار وبحكمة الرئيس بري وحكمة الحكماء نستطيع إن شاء الله أن ندمج بين التضحيات ونصوغها بمبادرات تصنع العزة للبنان والإنتصار..” ونوّه بيرم بـ”المبادرة” التي صاغها بري مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط .
وعكست قناة “أن بي أن” التابعة لرئيس مجلس النواب هذا التطور في موقف “الحزب” فأشارت في مقدمة نشرتها مساء ذلك اليوم إليه. وجاء فيها: “في المتابعة السياسة والديبلوماسية بقيت الأنظار تتجه نحو مقر الرئاسة الثانية… وفي هذا الإطار لفت وزير العمل مصطفى بيرم إلى أنّ كل المقاومين والصامدين يعتبرون الرئيس بري هو المفاوض والناطق بإسمهم جميعا”.
ما يوازي أهمية موقف “الحزب” الذي نقله الوزير بيرم إلى رئيس البرلمان ما صرّح به النائب حسين الحاج حسن الذي هو عضو في كتلة “حزب الله” البرلمانية غداة زيارة بيرم لمقر الرئاسة الثانية في عين التينة. فقد قال في حوار أجرته معه قناة “الجزيرة” القطرية “أنّ الأولوية اليوم هي لوقف إطلاق النار في لبنان، أما موضوع ربط الساحات فهو مطروح للبحث لاحقاً”. ولم يخف على أحد أنّ تصريح الحاج حسن كان بمثابة الإعلان عن الابتعاد الكلي لـ “الحزب” عن موقف طهران الذي يتمسك بإبقاء القتال ناشباً بين “حزب الله” وإسرائيل، والاقتراب بالكامل مع “المبادرة” التي أطلقها بري مع ميقاتي وجنبلاط. وتنص هذه المبادرة على أولوية الحل الديبلوماسي على الحل العسكري لإخراج لبنان من محنة ربطه بغزة وحربها.
ويلفت الصحافي علي الأمين إلى أنّ الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأخيرة لبيروت، أتت “في لحظة تحرك الرئيس نبيه بري، الذي فتح الباب قليلاً، أمام فرصة الإمساك بمقاليد القرار، من خلال المؤسسات الرسمية، والذي باركه “حزب الله بحسب ما يؤكد أكثر من مصدر قريب من عين التينة”. وقال الأمين في مقال نشره موقع “جنوبية” الإلكتروني: “إنّ بري تلقى تأييدًا لخطواته من قبل حزب الله. لكن بري كان مصدوماً مما سمعه من عراقجي، بأن لا فصل بين لبنان وغزة. وهو ما قد يفسر أن الجانب الإيراني كان قلقاً من تبدل موقف “الحزب” بسبب الضغوط العسكرية من إسرائيل، وكذلك الضغوط الداخلية في لبنان على أكثر من صعيد سياسي واجتماعي”.
ما يؤكد أنّ “رياح” بري تجري بما لا تشتهي سفن عراقجي، إذ تعمّد الأخير أن يعقد مؤتمره الصحفي الأخير قبل مغادرته بيروت إلى دمشق في عين التينة وليس في مقر سفارة بلاده في العاصمة اللبنانية، كما كان يفعل أسلافه دوماً. وأتى ما قاله الوزير الإيراني في مقر الرئاسة الثانية مثيراً للانتباه في أكثر من موضع. فهو تحدث للمرة في تاريخ الديبلوماسية لإيران في زمن الجمهورية التي أسسها الخميني عام 1979 عن الشيعة في لبنان، فقال:” أنّ الجمهورية الإيرانية تقف كما كانت دائماً إلى جانب حزب الله وبكل ثقلها وأنها تدعم الطائفة الشيعية في لبنان كما كامل الشعب اللبناني”. كما كان لافتاً وضعه القيود على “مبادرة” بري وميقاتي وجنبلاط قائلاً: “إننا ندعم المساعي الرامية لوقف إطلاق النار بشرط:
أولاً: مراعاة حقوق الشعب اللبناني.
ثانياً: أن تكون مقبولة من قبل المقاومة.
ثالثاً: أن يكون متزامناً مع وقف لاطلاق النار في غزة” .
ما “اشترطه” عراقجي بدت تأثيراته جلية في موقع “العهد” الإخباري التابع نظرياً لـ “حزب الله” كما كان سابقاً قبل اغتيال نصرالله، لكنه أصبح متماهياً مع التوجه الإيراني كما عبر عنه عراقجي. فقد تجاهل الموقع موقف كل من الوزير بيرم والنائب الحاج حسن. لكنه أبرز موقف نائب “الحزب” إيهاب حمادة الذي أدلى به أمام أهالي الشهداء في البقاع”، كما قال الموقع. وما جاء في تصريح إيهاب حمادة: “أن المقاومة الإسلامية بألف خير. فنحن منذ 18 سنة نعد لهذه المعركة”.
تحت عنوان “بري رجلُ السَّاعة” كتب عبد الرحمن الراشد في “الشرق الأوسط” السبت الماضي: “في الوقتِ الذَّي كانتْ فيه الطائراتُ والصواريخُ الإسرائيليةُ تَدكُّ مواقعَ «حزب» الله ليلَ نهارَ، كانَ هناكَ بيتٌ واحدٌ مضيءٌ، هو منزلُ نبيه بري. فيه يستقبلُ الوفودَ الأجنبية، اتَّجه له وزيرُ خارجيةِ إيرانَ أمس فورَ وصولِه المطار، والمبعوثونَ الغربيون، والوسيطُ الأميركيُّ أموس هوكستين يسابقُ الإيرانيَّ، والسفراءَ الأجانب”.
وقال: “أهميةُ بري، إلى جانبِ الشَّرعيةِ البرلمانيةِ الضروريةِ لتفعيلِ أي حلٍّ سياسيٍّ يبدأ بانتخابِ رئيسٍ للجمهورية، أنَّه يمثّلُ الطَّائفةَ الشّيعيةَ في وقتٍ تمرُّ فيه باضطرابٍ خَطير. إسرائيلُ تقومُ منذُ أسبوعين، بشكلٍ شبهِ يومي، بعمليةِ اجتثاثٍ لـ«حزب الله»، مثلمَا تمَّ اجتثاثُ «حزب البعث» بعدَ إسقاطِ صدَّام. وكمَا فعلَ الحلفاءُ في ألمانيا باجتثاثِ القياداتِ النَّازيّةِ، وفي اليابانِ إبانَ الحربِ العالميةِ الثانية”.
عطفاً على ما سبق، هل من مبالغة في القول أنّ أمانة “حزب الله” عامة أم خاصة أصبحت ملقاة على عاتق بري؟ من يتابع التطورات المتلاحقة والمذهلة في الضاحية الجنوبية لبيروت كما في الجنوب والبقاع يدرك أنّ بري صار وحيداً على مستوى المسؤولية الرسمية والسياسية الشيعية .فهو يحظى حالياً بالظهور والتحرك العلني في مقر معروف، بينما لم يعد لـ”حزب الله” أي مقر معتمد رسمياً في كل لبنان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |