هؤلاء أيضاً مجرمون…


خاص 8 تشرين الأول, 2024

وسط كل هذا الخراب، الجسدي والنفسي والوطني، هناك من يلهو ويلعب، هناك من يسخر ويستفز الآمنين. فيبحث عن تطبيقات ومواقع تتيح له أرقاماً “مشبوهة”، يستخدمها لإرسال رسائل كاذبة تهدد مدنيين بالموت، بالقصف بتدمير منازلهم، ليتابعهم بعدها على شاشات التلفزة وهم يغادرون منازلهم إلى الشوارع، ينظر، ويتابع، ضميره لا يصحو لا لطفل ولا لمريض ولا لمسنّ!

كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:

لا يتسع الوقت، لطرح الأعذار، ولا يتسع الوضع، ولا رائحة الموت التي تحاصرنا ورائحة الخوف، والتهجير!
نحن ببساطة، تحولنا لـ”كتلة قلق”، نحيا بهواجس سواء أكنا في محيط الغارات أو ما زلنا في سياق التحييد حتى إشعار آخر.
ربما بعضنا لا يتعرض للقصف، ولكن جميعناً لدينا أشخاص تعرضوا للتهديد والتهجير، جميعنا لدينا أشخاص ما زالوا في بيوتهم، ونحن في حالة هلع عليهم.
جميعنا، تراودنا الكوابيس، والطائرات الحربية التي تحلّق فوق رؤوسنا، انتقلت من خرق جدار الصوت إلى خرق سلامنا الداخلي، واستباحة ساعات نومنا!
جميعنا، أصبحنا أسرى لمشاهد الدمار، للمناطق والقرى التي حُرقت بكل ما للكلمة من معنى، للمواطنين المنهكين على الطرقات وفي المدارس، للباحثين عن مأوى في ظلّ جشع البعض، حتى بات السقف أغلى من الدم!
جميعنا، أوشكنا على الاستسلام، وما زلنا نحاول المقاومة، على أمل أن ينهض الوطن من دماره، أن يولد مجدداً، أن يعود لبنان “الحياة”، وأن تعود بيروت العاصمة المضاءة بالفرح لا بألوان الغارات الجنمية!
جميعنا، نؤازر بعضنا نفسياً، نبعث رسائل القوة، ونؤكد أنّ ما نحياه ليل أسود سينتهي حتماً، وأنّه لا بد من يوم جديد “أفضل” وإن تأخر، ولا بد من العودة إلى حياتنا التي كدنا ننسى تفاصيلها، حيث غابت عن ذاكرتنا صور لا موت فيها.

ولكن، وسط كل هذا..
وسط كل هذا الخراب، الجسدي والنفسي والوطني، هناك من يلهو! من يلعب؟ من يسخر؟ من يستفز الآمنين!
هناك، من يبحث عن تطبيقات، عن مواقع تتيح له أرقاماً “مشبوهة”، يستخدمها لإرسال رسائل كاذبة تهدد مدنيين بالموت، بالقصف بتدمير منازلهم!
وبعدما يقوم بفعلته الشنيعة، ينظر لهم، يتابعهم على شاشات التلفزة وهم يحملون ما تمكن من أغراضهم الشخصية ويغادرون منازلهم إلى الشوارع، ينظر، ويتابع، ضميره لا يصحو لا لطفل ولا لمريض ولا لمسنّ!
ليتبين بعد ذلك أنّ هذا الهلع كانت نتيجة “كذبة” حقيرة من أحدهم!
هناك من لديه من الوقت والرفاهية ما يكفي، كي يستخدم برامج الفوتوشوب مصمماً تحذيرات مشابهة لتغريدات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، لا هدف لها سوى بثّ الرعب في النفوس وفرض التشرد المؤقت، وتحويل حياة المواطنين لدوامة سوداء!
هناك من أراد ببساطة أن يكون مجرماً، أكثر من المجرم نفسه، فهو تخطى شراكته بهذه الأفعال الشنيعة، بل تفوق عليه، لأن المجرم هويته معروفة وأهدافه معروفة!
أما من لا هدف له، ولا دوافع لجرائمه، سوى السخرية والقهقهة، فهو الأكثر حقارة!
ومن يستلذ بإخراج الآمنين من بيوتهم، ببكاء أطفالهم، بأجساد كبارهم التي بالكاد قادرة على أن تخطو بضع خطوات ثقيلة، فهو لا يختلف عن القاتل بشيء، لأنّ القتل لا يكون دائماً بالسلاح، والموت يتجاوز الجسد بالموت النفسي، بالمعاناة، بمحاولة التعايش مع يوميات الخوف التي أصبحت مريرة، مريرة جداً!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us