هل تسلمت إيران إدارة “الحزب” مباشرة؟


خاص 10 تشرين الأول, 2024

فيما حاول الشيخ نعيم قاسم تجيير مفاوضات التسوية صورياً للرئيس نبيه بري، لعله يوفّق بوقف النار، مات الطرح قبل أن يولد، لأن الأمر لم يعد بيد “الحزب”، بل في يد طرفين إقليميين: إسرائيل التي لا تبدو مستعدة لوقف الحرب، وإيران التي لا تبدو مستعدة لالتزام القرارين 1701 و1559، بأي ثمن، لأن ذلك يعني انتزاع الورقة اللبنانية تماماً من يدها

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

فوجئ العقل العسكري الإسرائيلي بأنّ “حزب الله” ما زال يتمتع بقدرات عسكرية ملحوظة. فهو يواجه محاولات التوغل في الجنوب، على رغم الضربات الموجعة التي تلقاها هناك. وعلى رغم ما حققه الإسرائيليون استخبارياً وسيبرانياً ضد “الحزب”، والغارات التي استهدفت منصاته ومستودعاته، فإنّ صواريخه تضرب العمق الإسرائيلي، فيما هو يهدد بالتسلل إلى الجليل، خصوصاً عبر الأنفاق العابرة للحدود.

هذه الوقائع تدفع إلى السؤال: هل ما زالت لـ”الحزب” هيكلية قيادية قادرة على تحقيق التواصل مع وحداته القتالية، على رغم الخروقات وتصفية غالبية الجسم القيادي والكوادر؟

ثمة من يعتقد أنّ عناصر “الحزب” يتحركون أساساً في موازاة الحدود كمجموعات. ولذلك، هم ظرفياً لا يحتاجون إلا إلى القليل من التنسيق مع القيادة لأداء المهمات، ما دامت تقتصر على الكمائن التي يمكن تنفيذها من دون خطة متكاملة لحرب طويلة الأمد. لكن إطلاق رشقات الصواريخ على العمق الإسرائيلي يحتاج حتماً إلى التأني ومستوى أعلى من التنسيق داخل الهرم. فهل استطاع “الحزب” ترميم هيكليته التنظيمية والقيادية التي تحطمت، من رأسها حتى الكوادر العملانيين؟ وهل تم فعلاً تعيين مسؤولين في كل المواقع الشاغرة، وفق ما أعلن الشيخ نعيم قاسم، وبقيت أسماؤهم سرية لئلا يتعرضوا للتصفية؟ وماذا عن موقع الأمانة العامة إذا كان صحيحاً ما قاله بنيامين نتنياهو عن “تصفية خليفة نصرالله وخليفة خليفته”؟

في الواقع، تترتب على قيادة “الحزب”، في هذه المرحلة، مسؤولية حيوية على المستويين العملاني والسياسي، لإدارة الحرب الشرسة والمصيرية. ففي نهايتها سيبقى “الحزب” أو يزول. ولا يمكن لأي تنظيم عسكري أن يحقق الانتصار على جيش قوي ومنظم، ما لم يرتكز إلى هيكلية تنظيمية قوية ترسم الخطط العملانية والسياسية وتنفذها.

وفق ما يؤكد مسؤولو “الحزب”، لم تتم تسمية قيادة جديدة له، حتى اليوم، بسبب الخوف من قيام إسرائيل بتصفيتها. ولكن، ولأن الظرف لا يتحمل الفراغ في موقع القيادة، يعتقد بعض المتابعين أن إيران اتخذت المبادرة في هذا المجال، وبدأت تتولى مباشرة إدارة “الحزب” في هذه المرحلة، عسكرياً وسياسياً. وفي تقدير هؤلاء أنّ هذا الأمر يفسر عدم انقطاع التنسيق مع الوحدات الميدانية على أرض المعركة وإيصال التعليمات إليها، ولا سيما لجهة تنظيم إطلاق الصواريخ إلى داخل العمق الإسرائيلي، علماً أنّ الأعداد اليومية لهذه الصواريخ تراجعت في شكل ملموس، وربما يعود ذلك إلى تقليص استهلاك المخزون في المستودعات التي نجت من الغارات، بحيث تكفي لمواكبة الحرب إذا طالت أشهراً عدة، كما هو محتمل.

البعض يقلل من أهمية الانعكاسات السياسية لهذا الأمر، ويسأل: ألا تدير إيران “حزب الله” أساساً، باعتباره واحداً من التنظيمات العسكرية العاملة بقيادتها في الشرق الأوسط؟ ألم يردد السيد حسن نصرالله مراراً أنه جندي في جيش الولي الفقيه؟ فما الذي سيتغير إذاً، في حال تسلُّمها إدارته مباشرةً؟

لكن قوى سياسية تعتقد أن انعكاسات عميقة ربما يتسبب بها هذا الأمر على مستوى التوازنات السياسية والطائفية الداخلية. فغياب القيادة اللبنانية لـ”الحزب” يعني انتفاء الاعتبارات اللبنانية، الموجودة حالياً ولو بمقدار ضعيف، لمصلحة الاعتبار الإيراني.

وأما إقليمياً، فهذا الأمر سيمنح إسرائيل ذريعة إضافية لوضع المواجهة الحالية مع “الحزب” في سياق المواجهة الكبرى مع إيران، ما يفاقم تعقيدات الوضع اللبناني ويعمق ارتباطه بالأزمة مع إيران، ولا سيما في ملفها النووي ونفوذها الإقليمي من سوريا إلى العراق وغزة واليمن. وهذا ما يهدد ببقاء لبنان طويلاً ساحة القتال الأكثر شراسة بين إسرائيل وإيران، ويجعله الضحية. فلبنان سيتعرض للتدمير في أي حال، سواء استمر الصراع ملتهباً بين إسرائيل وإيران، أو تمت الصفقة بينهما إذ سيكون مادة للبيع والشراء.

عندما انزلقت قيادة “حزب الله” إلى “نصف الحرب” مع إسرائيل، إكراماً لـ”حماس”، قبل عام، كانت تتجاوب مع رغبات طهران في التزام مبدأ “وحدة الساحات”، لكنها بالتأكيد لم تتصور أنها ستبلغ المصير الذي وصلت إليه. وفي أي حال، بقيت هذه القيادة دائماً تولي الاعتبارات اللبنانية مقداراً معيناً من الاهتمام، سقف المطالب الإيرانية، سعياً منها إلى “لبننة” صورة “الحزب”.

ولكن، اليوم، فات الأوان. وفيما حاول الشيخ نعيم قاسم تجيير مفاوضات التسوية صورياً للرئيس نبيه بري، لعله يوفّق بوقف النار، مات الطرح قبل أن يولد، لأن الأمر لم يعد في يد “الحزب” أو أي طرف محلي آخر، بل في يد طرفين إقليميين: إسرائيل التي لا تبدو مستعدة لوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها بالكامل، وإيران التي لا تبدو مستعدة لالتزام القرارين 1701 و1559، بأي ثمن، لأن ذلك يعني انتزاع الورقة اللبنانية تماماً من يدها.

إذاً، الوقت فات فعلاً على إرادة “الحزب” “لبننة” خياراته. وعلى هذا الوضع ينطبق ما قاله وليد جنبلاط أخيراً: عندما تضغط على الزناد وتطلق الرصاصة، عليك أن تعرف أنك لن تستطيع إعادتها إلى حيث كانت. فما حدث قد حدث، وعقارب الساعة ستمضي قُدُماً إلى الأمام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us