براءة الأطفال في مهب الحرب.. وجروح نفسية لا تَلتئِم!
أطفالنا الذين يفترض أن يعيشوا طفولة بريئة وآمنة، وجدوا أنفسهم محاصرين بالخوف والقلق، وفقدان الإحساس بالأمان. فأصوات الانفجارات ومشاهد الدمار وفقدان الأحبة ليست مجرد أحداث تمر وتنتهي، بل تتحول إلى جروح نفسية عميقة ترافقهم مدى الحياة
كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:
“شو ذنب الطفولة بحرب الكبار؟” هو سؤال يلخص المأساة الكبرى التي يعيشها الأطفال في زمن الحروب.
في الحروب، تُسرق البراءة من الأطفال، ويجدون أنفسهم ضحايا لصراعات لم يختاروها ولم يفهموا أسبابها. فهم لا يملكون القرار ولا الدور في إشعال الحروب، ولكنهم يتحملون النتائج الأكثر قسوة: الخوف، الفقدان، والدمار.
فما ذنب الطفل الذي يجد بيته مدمرًا وألعابه مفقودة؟ أو ذاك الطفل الذي يفقد أمه أو أباه بسبب صاروخ؟
في عالم الكبار، تُدمر الحروب المدن وتُهدم الجسور، لكن في عالم الأطفال، تُدمر القلوب وتُهدم الأحلام، ويُترك هؤلاء الأطفال ليعيشوا مع آثارها النفسية والجسدية التي قد تستمر مدى الحياة.
في لبنان، عانى الأطفال من الحرب الأهلية وحروب كثيرة وربما لن تكون آخرها الحرب الحالية مع إسرائيل. هذه الحرب التي تسببت بدمار واسع النطاق، وفاق عدد ضحاياها الألفي شهيد فكم من طفل فقد عائلته وأصدقاءه.. هي حروح لن تلتئم بسهولة وستحتاج إلى رعاية خاصة وبرامج دعم نفسي لمعالجة الصدمات.
من ناحية أخرى، يعيش الآباء والأمهات حالة من التوتر والخوف المستمر على أطفالهم، وهم عاجزون عن تأمين الحماية الكاملة لهم في وجه المخاطر التي تتجاوز قدرتهم. بالنسبة للأهل، كل لحظة تصبح معركة للبقاء، وكل قرار يرافقه هاجس الحفاظ على حياة أطفالهم وسلامتهم النفسية. يواجه الأهل في هذه الظروف تحديًا كبيرًا في الحفاظ على توازنهم النفسي، بينما يحاولون طمأنة أطفالهم وإخفاء مخاوفهم. كثيرًا ما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة مثل الهروب من منازلهم أو الانتقال إلى أماكن أكثر أمانًا، محاولين إقناع الأطفال أنّ الأمور ستتحسن قريبًا، رغم عدم يقينهم بذلك.
في اتصال أجراه موقع “هنا لبنان” مع الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، أوضحت أن التأثيرات التي يتعرض لها الطفل أثناء الحروب تشمل تأثيرات موحدة لدى جميع الأطفال ولكن تختلف في طريقة ظهورها، فهي عادة ما تكون التأثيرات عبارة عن خوف، اكتئاب وقلق أو عدم الأمان، بالإضافة إلى صعوبة في النوم ورؤية الكوابيس، حيث أن هذه التأثيرات تختلف حسب العمر، فمن عمر سنة إلى عمر الست سنوات يحصل لدى هؤلاء الأطفال ما يسمى بال separation anxiety أو ما يعرف بقلق الانفصال، حيث تتغير سلوكياتهم فيتعلقون أكثر بأهلهم ولا يتعاطون مع أحد.
أما بالنسبة إلى الأطفال الذين يبلغون من العمر ٦ إلى ١٢ سنة، أكدت قصقص أن العوارض تكون لديهم عبارة عن قلق عام وعدم القدرة على التركيز، وتصبح سلوكياتهم أكثر عدوانية لأنهم يكون لديهم استيعاب أكثر للواقع ما يجعلهم يشعرون بالارتباك والخوف أكثر.
وتابعت قصقص حديثها عن الفئة الثالثة أو المراهقين، ولفتت أنهم يشعرون بالصراع مع نفسهم وبالمسؤولية تجاه ما يحصل والعجز في الدفاع وفقدان الأمل، حيث أن سلوكياتهم تكون خطرة لأنهم يلجأون إلى سلوكيات تعويضية وخطرة.
وفي الحديث عن أعراض ما بعد الصدمة، تحدثت قصقص عن أنها تكون عبارة عن كوابيس ونوم متقطع بالإضافة إلى قلق وخوف مستمر مع انخفاض للشهية على الأكل والانعزال …
و في ما يخص انقطاع الأطفال عن التعليم في هذا الوضع، أشارت قصقص إلى أن الأطفال يشعرون بعدم الأمان مع انقطاع التعليم، ويفقدون الروتين اليومي الذين كانوا قد اعتادوا عليه، ويزيد لديهم الشعور بالغربة بسبب عدم تواصلهم مع الأشخاص الذين هم من أعمارهم في المدرسة ويشعرون بالخوف من المستقبل وعدم الثقة بتكملة التعليم الأكاديمي الكافي وزيادة القلق من الفشل.
وقدمت قصقص نصائح للأهل للتعامل مع أطفالهم، حيث قالت أنه من المهم استخدام لغة بسيطة مع الأطفال الصغار والتأكيد على الشعور بالأمان وعدم تقديم أي تفاصيل تتعلق بالحرب، والإجابة على أسئلتهم بأسلوب بسيط يتناسب مع عمرهم، وحثت على ضرورة توضيح أن مشاعر الخوف هي مشاعر حقيقية، والمشاركة معهم بنشاطاتهم المختلفة التي تساهم في التخفيف من قلقهم.
أما المراهقون فيجب التحدث معهم بالأمور بصراحة وأكثر دقة وأن نساعدهم أكثر على التعبير لأنهم يفهمون ما يحصل حولهم ويشاهدون الأخبار ويتابعون الأمور السياسية.
وفي الختام أشارت لانا قصقص إلى أنّ التجارب السابقة لا تُنسى، وتركت آثارا نفسية عديدة، وهي تؤثر بشكل واضح على التطور النفسي والسلوكي لديهم، وتشكل تأثيراً على التطور والنمو الحسي الحركي في بعض الحالات، لذلك من المهم أن نقوم بمساحة جدا واضحة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وعلينا الإجابة عن أسئلتهم بوضوح وبذلك نكون قد قدمنا لهم المساعدة في تخفيف التأثير النفسي السلبي لديهم على المدى البعيد.
حقيقة واقعنا في لبنان مؤلمة ولا يمكن تجاهلها. أطفالنا الذين يفترض أن يعيشوا طفولة بريئة وآمنة، وجدوا أنفسهم محاصرين بالخوف، والقلق، وفقدان الإحساس بالأمان. فالأصوات العالية للانفجارات، مشاهد الدمار، وفقدان الأحبة ليست مجرد أحداث تمر وتنتهي، بل تتحول إلى جروح نفسية عميقة ترافقهم مدى الحياة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود | الأمن الرقمي في لبنان.. اختراقات بالجملة ووسائل التواصل في قبضة الهاكرز |