لولا رفسنجاني
إبان الحرب العراقيّة الإيرانيّة، كان لرفسنجاني موقف تاريخيّ انطلق فيه من ضرورة المحافظة على “مكتسبات الثورة”، وعدم الدفع بالمزيد من القوّات الإيرانيّة نحو الموت المحتّم. فلنتذكّر رفسنجاني من جديد، علّ التاريخ يعيد نفسه ويقنع أحدهم المرشد الأعلى الذي يتفرّج على موتنا من بعيد بأنّ هذه المذبحة يجب أن تتوقّف فوراً
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
لم تكن إيران، التي تريد اليوم إزالة إسرائيل عبر أذرعتها في المنطقة، في حالة عداء دائم مع تل أبيب. بعض القراءة التاريخيّة قد يفيد.
وصل الإمام الخميني إلى طهران على متن طائرة فرنسيّة في العام 1979، بعد القضاء على نظام الشاه، وبعد سنة انفجرت الحرب العراقية الإيرانية، خطاب الخميني المعادي للغرب، وخصوصاً للولايات المتحدة الأميركيّة “الشيطان الأكبر”، لم يمنع حصول فضيحة Iran Gate وتصدير أسلحة أميركيّة إلى طهران. تسقط الشعارات دوماً تحت أقدام المصالح.
كذلك، دعمت إسرائيل إيران سريًّا مقابل معلومات عن مفاعل “أوزيراك” النووي العراقي، الذي استهدفته تل أبيب في العام 1981.
نتابع السرد التاريخي، ونذكّر بما شهدته الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وبالهجوم على ناقلات النفط في الخليج العربي، وإغلاق خطوط الأنابيب وانخفاض الدخل بالعملات الأجنبيّة وتوقّف النموّ الاقتصادي في البلدين، ثمّ دعم العراق لمجاهدي “خلق” قبل تقديمهم هديّة لإيران التي أبادتهم…
وكان العام 1982 مفصليّاً، إذ شهد بداية بروز الحرس الثوري الإيراني على حساب الجيش النظامي الذي أنهكته الحرب التي أطاحت أيضاً بالرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر، ثمّ اغتيال خلفه محمد علي رجائي، وانتخاب علي خامنئي رئيساً حتى تعيينه مرشداً أعلى للثورة خلفاً للخميني عند وفاته في العام 1989.
أنهكت الحرب النظام الإيراني الناشئ خاصة بعدما دفعت طهران ٢٤٠ ألفًا من “أبناء البلد” بين قتيل وجريح. انقسمت القيادة الإيرانيّة حينها بين رأيين:
الأول، يقوده الرئيس علي خامنئي وينادي بمواصلة الحرب مع العراق. والثاني يقوده رئيس مجلس الشورى هاشمي رفسنجاني الذي كان رأس حربة في الدفع والقبول بالقرار الأممي 598 لوقف الحرب. قرارٌ وصفه الإمام الخميني حينها بـ “تجرّع السمّ”.
كان موقف رفسنجاني تاريخيّاً، لا بل أعطى أمثولةً يجب أن تُستعاد، خصوصاً اليوم. انطلق في موقفه من ضرورة المحافظة على “مكتسبات الثورة”، وعدم الدفع بالمزيد من القوّات الإيرانيّة نحو الموت المحتّم.
قال المرشد يومها، وكان على فراش المرض، إنّ وقف الحرب سيحوّل صدام حسين إلى منتصر، وكان جواب رفسنجاني: “فليعلن صدام إنتصاراً وهميّاً ويرفع أقواس النصر، ولكنّه سيسقط قريباً لسببين: معاداة الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل، وأطماعه النفطيّة في دول الجوار. أمّا نحن في إيران فسنكسب بلادنا وأولادنا ونظامنا لعقودٍ متتالية”.
كانت نتيجة قراءة رفسنجاني إطلاق ما بات يُعرف بـ “الأذرع الإيرانيّة” في المنطقة، والتي كانت بدايتها في لبنان، منذ العام 1982، بهدف مواجهة إجتياح إسرائيل للجنوب.
هكذا كانت البداية، وُلد بعدها حزب الله، وكرّت سبحة التنظيمات التي دعمتها إيران أو كانت وراء تأسيسها، وتمددت نحو اليمن وسوريا والعراق وفلسطين، هي التي تدين بالولاء لمرشدها الأعلى وتُدفع لها الأموال لتحارب بالنيابة عن “أولاد البلد”، بينما يتعزّز حضور إيران الإقليمي على أكثر من صعيد، وخصوصاً كدولة نوويّة.
لماذا هذا السرد التاريخي كلّه؟ لأنّ اللاعبين لم يتغيّروا. فرنسا ومصالحها الحيوية في إيران التي تدرك أنّ إزالة إسرائيل وهمٌ تكذب به على بعض شعوب المنطقة. إسرائيل من جهتها ستردّ بشكل “مدروس” على إيران التي تفاوض باسم لبنان وتحارب به.
نشاهد حركة الحكومة اللبنانية العاجزة اليوم، نتابع مشاهد الدم والتهجير كل يوم، نشعر بالخطر يحيط بنا من كل جنب، تتدمّر جميع أحلامنا في بقايا دولة، تتحفنا وسائل التواصل وشعبوية أصحابها وإنحطاط بعض إعلامييها وروادها، أما نحن والأكثرية الصامتة فما علينا إلا تجنّب الوقوع في فخّ الرهانات الخارجيّة والوقوع أسرى نظريّة المنتصر، في وقتٍ يتدمّر وطن ويُقتل أبناؤه.
فلنتذكّر رفسنجاني من جديد، علّ التاريخ يعيد نفسه ويقنع أحدهم، كما فعل، المرشد الأعلى الذي يتفرّج على موتنا من بعيد بأنّ هذه المذبحة يجب أن تتوقّف فوراً. وليخبره أحدهم بأنّ بنيامين نتنياهو أكثر جنوناً ووحشيّةً من صدام حسين. والأهمّ، فليؤمن اللبنانيّون بأن لا خلاص لهم إلا بمنطق لا غالب ولا مغلوب، وهم في قلب الحضن العربي الدافئ، من دون أن يكونوا ذراعاً لأحد أو كرةً تركلها أرجل اللاعبين الإقليميّين والدوليّين… نحو جهنّم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |