أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود
مع تزايد النزوح الداخلي وارتفاع الطلب على الأماكن السكنية، برزت فئة ممن “لا شغل لهم” سوى استغلال الأزمة، محولين معاناة الآخرين إلى فرصة لجني الأرباح، في مشهد يعكس عمق الفجوة بين من يعانون ومن يستغلون هذه المعاناة
كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:
في خضم الحرب الحالية والأزمات التي تعصف بلبنان، لم تقتصر المعاناة على الدمار والخسائر البشرية فقط، بل ظهرت ظواهر جديدة تجسد استغلال البعض للوضع الراهن. فمع تزايد النزوح الداخلي وارتفاع الطلب على الأماكن السكنية، برزت فئة ممن “لا شغل لهم” سوى استغلال الأزمة، محولين معاناة الآخرين إلى فرصة لجني الأرباح، في مشهد يعكس عمق الفجوة بين من يعانون ومن يستغلون هذه المعاناة. أصبحت هذه الفئة، التي تعرف بـ”السماسرة”، جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الموازي الذي نما على حساب حاجة المواطنين واستغلالهم في الحصول على منزل في المناطق الآمنة.
السماسرة، الذين يعملون كوسطاء بين الأفراد وأصحاب المنازل، تحولوا إلى عنصر محوري في حركة السوق، خاصة مع تعطل النظام وغياب الرقابة الحكومية عليهم. وبسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتفاقم وتيرة الحرب في لبنان، ظهر هؤلاء كبديل غير رسمي يسعى لاستغلال الفوضى لتحقيق أرباح سريعة. فوجد النازح نفسه مضطرًا للجوء إلى هؤلاء بسبب حاجته الماسة إلى السكن، وأُجبر على دفع مبالغ كبيرة للحصول على مأوى مؤقت، بينما يقوم السماسرة برفع الأسعار دون أي مبرر سوى استغلال حاجة الناس.
على الرغم من وجود قوانين وأنظمة تنظم مهنة سمسرة العقارات في لبنان، فإن العديد من السماسرة يعملون دون رخصة رسمية من نقابة الوسطاء العقاريين (R.E.A.L). هذه الظاهرة تُعرِّض المستهلكين لمخاطر عدة، حيث قد لا يتمتع السمسار غير المرخص بالكفاءة اللازمة أو لا يكون ملتزمًا بمعايير مهنية أو أخلاقية. فالتعامل مع سماسرة غير مرخصين قد يؤدي إلى مشكلات قانونية أو مالية عند حدوث نزاعات، نظرًا لغياب جهة رقابية لمحاسبتهم.
إلى جانب هذه الظاهرة، برزت فئة أخرى من الأفراد الذين قرروا ترك منازلهم ليس بسبب الحرب أو الخوف على سلامتهم، بل بهدف تأجيرها للنازحين الذين لا يجدون مأوى آخر. الأزمة الحالية كشفت وجهًا آخر للجشع، حيث يقوم البعض بتفريغ منازلهم وتأجيرها بأسعار مرتفعة، مستغلين حاجة النازحين الماسة إلى السكن. هذا الاستغلال لم يكن مجرد حاجة اقتصادية، بل تحول إلى سلوك يتنافى مع القيم الإنسانية، مما زاد من تفاقم المعاناة للمحتاجين.
علاوة على ذلك، هناك أفراد تركوا منازلهم وأجروها وانتقلوا للعيش في مراكز إيواء النازحين، وكأنهم ضربوا عصفورين بحجر واحد: من جهة يكسبون مال الإيجار، ومن جهة ثانية يحصلون على المأكل والمشرب مجانًا في هذه المراكز.
“عم يتمقطعوا فينا”، بهذه العبارة عبرت سلام عن معاناتها مع صاحب شقة في إحدى المناطق الآمنة، الذي طلب منها إخلاء المنزل خلال أسبوع بحجة أن أحد أقاربه يريد الانتقال إلى الشقة. علمًا أن سلام قد نزحت هي وعائلتها إلى منزل آخر في منطقة الضاحية الجنوبية قبل الانتقال إلى الشقة الأخيرة، ولكن سوء الأوضاع وتدهور الحرب دفعها إلى النزوح مرة أخرى إلى مكان أبعد.
أما علاء، الذي نزح من منزله إلى مكان آمن، فلم يجد الأمان الكافي في المنطقة التي نزح إليها. عدم الأمان ليس فقط تهديدًا جسديًا، بل أيضًا إحساس بالغربة عن الأهل والجيران، حيث شعر علاء بأنه محاط بمصاصي الأموال. البحث عن منزل استغرق عدة أيام، وأقل منزل إيجاره 500-600 دولار غير مفروش وغير مؤهل للسكن أصلًا، فضلًا عن طلب عمولة السمسار ودفع تأمين الشقة.
وحتى إذا حالفك الحظ واستأجرت منزلًا من صاحب المنزل مباشرة، فإنه يطلب منك “بالأملية” 100 دولار زيادة على الإيجار، دون أي مبرر.
في نهاية المطاف، يبقى استغلال السماسرة للنازحين وصمة على جبين الإنسانية، حيث يتحول الألم إلى سلعة في يد من يسعى وراء الربح السريع. هؤلاء النازحون، الذين تحملوا معاناة الفقد والتشرد، يستحقون أن يجدوا الأمان والعدل، لا أن يواجهوا مزيدًا من الخداع.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | براءة الأطفال في مهب الحرب.. وجروح نفسية لا تَلتئِم! | الأمن الرقمي في لبنان.. اختراقات بالجملة ووسائل التواصل في قبضة الهاكرز |