الأم الحنون والإبن الجريح: هل ستنجح فرنسا بإعادة لبنان إلى الحياة؟
تحاول فرنسا استثمار علاقاتها التاريخية مع لبنان للحد من تفاقم الأزمة لتجنب انفلات الأمور وضياع الفرص اللبنانية وإضعاف ركائز الدولة، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى تحقيق أهداف استراتيجية على أكثر من جبهة مستفيدة من غياب موقف أميركي حاسم
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
يعيش لبنان والمنطقة بأسرها في خضمّ واحدة من أخطر المراحل التي تتراوح بين التصعيد العسكري والتوترات السياسية. تزداد تعقيدات المشهد الإقليمي نتيجة تداخل المصالح الدولية، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران، بالتزامن مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية. هذا التصعيد يفاقم الأزمات الداخلية في لبنان، حيث يعاني البلد من شلل سياسي ناجم عن فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية.
في ظل هذا الواقع، تحاول بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، استثمار علاقاتها التاريخية مع لبنان للحد من تفاقم الأزمة، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى تحقيق أهداف استراتيجية على أكثر من جبهة، مستفيدة من غياب موقف أميركي حاسم. ومع غياب التوافق بين الأطراف المحلية والدولية، تصبح آفاق التهدئة صعبة، ما يهدد بفقدان المزيد من الاستقرار ويضع لبنان أمام مفترق طرق حاسم.
شحيمي: لا أحد يستطيع إيقاف إجرام نتنياهو عن مسلسل توغله الجنوني
في هذا السياق، قال الدكتور محيي الدين شحيمي، خبير قانوني في المفوضية الأوروبية: “فرنسا تلعب دورًا مهمًا يتعدى في أحيان كثيرة دور الوسيط فقط. فقد عملت، وعلى مدى سنة كاملة، على تأمين الاستقرار وتخفيف حدة الصراع. جهدت برغبة قياسية في سبيل تبديل السيناريو القائم حتى قبل أن ينفجر الوضع في المرحلة الأخيرة. تكاد تكون الوحيدة، إلى جانب الحراك العربي، التي تعمل بجد للوصول إلى وقف إطلاق النار. قدمت العديد من الأفكار والمبادرات، وآخرها خطة العمل والمشروع الدولي مع أميركا، الذي حظي بموافقة مظلة واسعة من الدول. لكن لا أحد يستطيع إيقاف إجرام نتنياهو عن مسلسل تغوله الجنوني، خصوصًا في ظل وجود إدارة أميركية ضعيفة ومترددة، تستفيد من الأهداف الإسرائيلية في لبنان. فهي لا تريد عرقلة الآلة العسكرية الإسرائيلية أولًا، ولا ترغب في انتكاسة لإدارتها خلال المعركة الرئاسية ثانيًا.”
وأضاف: “كل الدول لها مصالح، وعلى لبنان أن يفعل المثل من خلال تشكيل مؤسسات وسلطات شرعية وإدارات مجتمعية تهدف إلى تحقيق مصلحة واحدة، وهي العمل الجاد والدبلوماسي للوصول إلى وقف إطلاق النار. تنطلق فرنسا من أسس ونوايا حسنة لصالح لبنان، إذ لديها تراكم تاريخي وعلاقة مميزة مع الجغرافيا اللبنانية، لذلك تسابق الوقت لتجنب انفلات الأمور وضياع الفرص اللبنانية وإضعاف ركائز الدولة. مصالحها تتجلى ضمن أنظمة اتفاقيات دولية وثنائية مع لبنان. لكن إذا لم يهتم لبنان بمصالحه ولم يتعاون مع من يسعى لمساعدته، سيفقد المزيد من المرونة.”
وأشار شحيمي إلى أن: “هناك ثلاث عقبات رئيسية: أولًا، غياب سلطة حقيقية في لبنان يمكن للمجتمع الدولي التواصل معها، في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف أعمال ذات دبلوماسية متواضعة. ثانيًا، ضياع الحزب وارتباكه نتيجة الاستهدافات الأخيرة، وغياب قيادة حقيقية وواضحة له، مع تضارب في التصريحات الصادرة عن قيادييه وسياسييه. كما أن الحزب لم يظهر موافقة فعلية على البيان الثلاثي اللبناني الذي تبنى المبادرة الدولية. ثالثًا، يصعب إقناع الحزب، في هذه المرحلة، بضرورة العودة إلى كنف الدولة وإعادة التموضع، رغم تفويضه للرئيس بري، مما يشكل معضلة كبرى.”
وقال: “القرارات الدولية تشكل ضمانة بحد ذاتها للشرعية الأممية، وكان على لبنان، منذ نهاية حرب تموز 2006، أن يعزز شراكته الوطنية ويطلق مسيرة بناء الدولة ليصبح شريكًا مقبولًا ومتعاونًا دوليًا. كان بإمكانه كسب ثقة المجتمع الدولي وتغيير الواقع. يجب على لبنان أن يصرح بصدق عن التزامه بتطبيق القرارات الدولية بشكل صحيح، وعندها يمكن لفرنسا، بالتعاون مع الأصدقاء، تشكيل خلية دعم تساعد لبنان.”
وعن إمكانية أن تلعب فرنسا دورًا في إعادة تقييم أو تعديل بعض بنود القرار 1701 لضمان قبول أوسع من الأطراف الفاعلة في لبنان، قال شحيمي: “فرنسا حاملة القلم فيما يتعلق بلبنان، أي أنها هي التي تضع وتنسج القرارات، وتأتي كل الأفكار منها أولًا. لكن لا تتطلب المرحلة الحالية إصدار قرار جديد، بل تحتاج إلى حزم في تطبيق القرارات بشكل صحيح بما يخدم مصلحة لبنان ويقطع الطريق أمام الأطماع الإجرامية لإسرائيل ونتنياهو.”
الحلو: فعالية فرنسا محدودة جدًا
من جهة أخرى، قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية، العميد المتقاعد خليل الحلو: “فرنسا لا تقوم بأي خطوة دون حد أدنى من التنسيق مع أميركا، لأنها تدرك أن الأخيرة تمتلك القدرة على الضغط الفعلي على إسرائيل. ومن جهتها، تحتفظ فرنسا بخطوط اتصال مفتوحة مع حزب الله وإيران، رغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، في حين بقيت الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا، متمسكة بالاتفاق بسبب مصالحها مع إيران. هذه المصالح كانت متوقفة، لكن الاتصالات بين الطرفين ظلت قائمة. ومع اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، ساءت العلاقة بينهما بسبب إرسال إيران مسيّرات وصواريخ إلى روسيا، بينما تقوم فرنسا بتسليح الأوكرانيين.”
وأضاف: “وقف إطلاق النار بجهود فرنسية فقط، من دون دعم أميركي، أمر مستحيل. وعندما تتراجع أميركا عن التدخل وتأخذ مقعدًا خلفيًا، تحاول فرنسا ملء هذا الفراغ، لكن دائمًا بتنسيق معها. هذا ما حدث بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، عندما زار الموفد الأميركي، آموس هوكشتاين، لبنان عدة مرات لإنجاز الاتفاق، فيما جاء الحل من خلال شركة توتال لتنفيذ الترسيم. ما تقوم به فرنسا هو الحفاظ على خطوط التواصل، لكنها تدرك أن فعاليتها محدودة جدًا، وتحاول باستمرار التواصل مع إسرائيل وحزب الله، إلى جانب الحفاظ على الحد الأدنى من الوجود الدبلوماسي. لكن احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الطرفين تبدو شبه معدومة في هذه المرحلة.”
وأشار الحلو إلى أن: “انتخاب رئيس أو عدمه لن يغير شيئًا على الأرض؛ فإسرائيل مصرة على تحقيق أهدافها، وحزب الله متمسك بموقفه. وبالتالي، فإن وجود الرئيس من عدمه لا يؤثر في المعادلة؛ فالرئيس اللبناني هو رئيس دولة وليس رئيس جمهورية وفق موازين القوى الحالية.”
وأضاف: “على مدى سنة ونصف السنة، حاولت اللجنة الخماسية، التي تضم فرنسا، إيجاد حل للأزمة الرئاسية بين الأطراف اللبنانية، لكن دون جدوى بسبب تمسك حزب الله بترشيح سليمان فرنجية. قد يكون الحزب قد تخلى عن ترشيح فرنجية الآن، لكن لا أرى أن الانتخابات الرئاسية ستجري قريبًا، نظرًا لصعوبة وصول نواب حزب الله إلى المجلس النيابي، ولأن نواب حركة أمل لا يحضرون من دون حلفائهم الأساسيين في حزب الله. لذا، لم نصل بعد إلى مرحلة التوافقات في لبنان.”
مواضيع مماثلة للكاتب:
إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ |