فعلها قاليباف مجدداً فهل سيردّ بري؟
هل ما زال هناك شكّ في أنّ “سياسة النعامة” لم تعد تجدي نفعاً مع اندفاع سياسة الوصاية الإيرانية على لبنان إلى هذا الحد اليوم؟ ألم يأتِ وقت الرئيس بري ليأخذ على عاتقه الوقوف في وجه نظيره الإيراني؟
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
أعلنت ايران بالأمس بلسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أنّ “الركيزة الأساسية للشعب اللبناني هي إيران وقائدها المرشد علي خامنئي”. وأتى إعلان قاليباف بعدما أثار هو شخصياً الجدل يوم الجمعة الماضي عبر صحيفة لوفيغارو الفرنسية بقوله أنّ طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في الجنوب.
وهكذا أصبح لبنان بأسره وليس الجنوب فقط، تابعاً للجمهورية الإسلامية ومرشدها. في وقت يغرق هذا البلد في أتون حرب افتتحها “حزب الله” في 8 تشرين الأول الماضي تحت عنوان “إسناد” غزة. وما إن أصبح “الحزب” بلا رأس بعدما اغتالت إسرائيل أمينه العام حسن نصرالله الشهر الماضي، أطل رئيس البرلمان الإيراني ليعلن رسمياً أنّ إيران صارت “رأس” لبنان وليس “الحزب” وحده.
يوم الجمعة الماضي تولى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الرد على قاليباف، علماً أنّ الأمر منوط بنظير المسؤول الإيراني أي رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري. فهل يتولى الأخير هذه المرة المهمة ليقول لقليباف أن “الركيزة الأساسية للشعب اللبناني” هو دستور لبنان ونظامه وسيادته الكاملة على أراضيه وليس إيران ومرشدها؟
حتى إعداد هذا المقال، لم يصدر عن بري أو أي مسؤول لبناني آخر أي رد يفند ما قاله المسؤول الإيراني. وعلى ما يبدو أنّ رد ميقاتي الأخير الذي أكسبه سمعة جيدة في لبنان وخارجه أثار انطباعاً بأنّ هناك “صحوة” يشهدها لبنان على المستوى الرسمي كي يضع حداً للتدخل الإيراني في المصير اللبناني. إلّا أنّ هذه “الفرحة” بهذه “الصحوة” لم تدم سوى أيام قليلة . فماذا يخبئ هذا التطور في الموقف الإيراني من نتائج ستنعكس مباشرة على هذا البلد؟
ما يثير الغرابة أنّ تصريح قاليباف الجديد جاء مباشرة بعد تصريح ميقاتي يوم الجمعة الماضي كما سلف حيث استغرب الأخير أن يذهب قاليباف إلى حد القول أنّ طهران “مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 “. وما قاله ميقاتي : “نستغرب هذا الموقف الذي يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان. علماً أننا كنا أبلغنا وير خارجية إيران (عباس عراقجي) ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما إلى لبنان أخيراً بضرورة تفهم الوضع اللبناني خصوصاً وأنّ لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار”.
ومن يتابع نص المقابلة التي أجرتها “لوفيغارو” الأسبوع الماضي مع قاليباف يتبيّن له أنّ الأخير كان واثقاً بنفسه عندما ذهب إلى حد وضع يد إيران على القرار 1701 . فهو تحدث عن معادلة تضع طهران في مصاف فرنسا التي كانت وراء نشوء الكيان اللبناني عام 1920. فهو قال إن ايران “مستعدة” للعمل مع فرنسا “التي ستعمل كدولة وسيطة بين”الحزب” وإسرائيل”. ووصف فرنسا بأنها “الدولة التي تحمي لبنان تقليدياً”. لكن الصحيفة الفرنسية لم تفتها الإشارة إلى أنّ “ما لم يقله قاليباف هو أنّ “حزب الله” لم يحترم البند الوارد في القرار 1701 والذي يقضي بانسحاب “الحزب” إلى ما وراء نهر الليطاني”.
في أي حال، طلب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت والاستفسار منه عن حديث رئيس البرلمان الإيراني. وبالفعل استدعت الخارجية القائم بالأعمال في سفارة إيران هيثم قهرماني، الذي نقل إلى المدير العام للخارجية هاني شميطلي، نفيا لما ما جاء في “الفيغارو” على لسان قاليباف وبانه “لا يمت الى الحقيقة بصلة”.
هل انتهت “صحوة ” ميقاتي عند هذا الحد؟الجواب هو لا. فقد كشفت معلومات صحفية انه لو لم يقل قاليباف ما نقلته عنه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية ، لاضطر رئيس الحكومة الى “كظم امتعاضه وغضبه من اللقاء الذي جمعه به بعد ستة ايام على استقباله وزير الخارجية عباس عراقجي. وقد كان كلا الاجتماعيْن سيئيّن للغاية”. تضيف المعلومات:” سمع ميقاتي من الرجلين ما لم يُرد أن يسمعه. اسرّ في ما بعد الى رئيس البرلمان نبيه برّي كما الى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما ادليا به في السرايا. لم يَخفَ ردّ فعل جنبلاط غداة زيارة عراقجي وانزعاجه هو الآخر، ومناداته من ثم بفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة”. وذكرت المعلومات
“ان عراقجي تكلم امام ميقاتي بفجاجة، بينما ظهر قاليباف اكثر مرونة. ولم يكن عبوس رئيس الحكومة طوال الاجتماع الأول ووقوفه فجأة ايذاناً بانتهاء استقباله عراقجي سوى دليل على أنه لم يعد يريد سماع المزيد”. وخلصت المعلومات إلى القول: “ما قال وزير الخارجية الإيراني في اللقاء مع ميقاتي :”على لبنان أن يصمد بعد. وعلى الحكومة اللبنانية دعم المقاومة ومساعدتها. وأنّ لبنان من دون مقاومة لن يبقى له أي دور في المجتمع الدولي. كما على الحكومة اللبنانية تعميق تعاونها مع إيران في المرحلة الحالية والتعويل عليها.وكان على الحكومة اللبنانية الطلب من سفارات الخارج فتح سجل تقبّل التعازي بنصرالله، وان تقود حملة ديبلوماسية منددة باغتياله”.
في موازاة ذلك ، ما قاله قاليباف هو تكرار لعراقجي خصوصاً انهما أخذا على عاتقيْهما دونما تكليف، كل على حدة، إطلاق حملة ديبلوماسية لدعم لبنان في المحافل الدولية على الطريقة الايرانية: الاول لدى منظمة المؤتمر الاسلامي، والثاني في مؤتمر رؤساء البرلمانات الدولية في جنيف.
قبل أن تتناقل وسائل الانباء موقف قاليباف الجديد ، كان السفير الإيراني الأسبق في لبنان والموفد الخاص لوزارة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط وافريقيا محمد رضا شيباني يحاول “ترميم” ما كسره رئيس البرلمان الإيراني. فهو صرّح خلال استقباله في مقر السفارة الإيرانية في بيروت وفداً لبنانياً أنّ حكومته تعتبر الحكومة الحالية برئاسة ميقاتي “حكومة صديقة وحليفة للمقاومة، ومواقف رئيسها مميزة ونؤيدها، ولا نختلف معه على تطبيق القرار 1701 ونقف إلى جانب لبنان بمطالبته بتنفيذه”. وقارن شيباني بين حكومة ميقاتي، وتلك التي كانت برئاسة فؤاد السنيورة في الحرب على لبنان صيف 2006، ووصف الأخيرة بأنها كانت في “موقع اللاحليف للمقاومة، وتتطابق في مطالبها مع أهداف العدو الإسرائيلي في استسلام “حزب الله” وتسليم سلاحه، وهذا ما كان يصدر من مواقف يعبّر عنها وزراء في حكومة السنيورة، وهذا لم يصدر عن حكومة ميقاتي الصديقة، التي ندعم كل تحركها السياسي والديبلوماسي، ولا أحد يريد ان يحل مكانها، وهذا ما تم توضيحه للرئيس ميقاتي والخارجية اللبنانية”.
هل لا يزال هناك شك في أنّ “سياسة النعامة” لم تعد تجدي نفعاً مع اندفاع سياسة الوصاية الإيرانية على لبنان إلى هذا الحد اليوم؟
ألم يأت وقت الرئيس بري ليأخذ على عاتقه الوقوف في وجه نظيره الإيراني؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |