عن ذكريات محتها الحرب


خاص 22 تشرين الأول, 2024

متى تنجلي هذه الغيمة السوداء عن لبناننا ومتى ينتهي كابوس الحرب؟ متى يُرفع الاحتلال والوصايات عن بلدنا ليكون دولة مستقلة بكلمتها وقراراتها، دولة تبسط سلطتها وتنشر جيشها على كافة أراضيها؟


كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:

لم يسبق للبنان بلد الحروب أن شهد دمارًا وقساوةً ونزوحًا كما يشهد خلال هذه الحرب الوجودية، الحرب التي رفضها معظم اللبنانيون وفرضت عليهم عنوةً لأنّ بلدهم بمثابة ورقة غير ثمينة تُحارب بها دول لا يهمها إلا مصالحها، حتى باتوا يواجهون جيشًا لا يرحم.

دمار شامل تتعرض له مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ولمدينة صور نصيب كبير من هذا الخراب.

صور ما كانت لتعني لي شيئاً لولا صديقتي التي نزحت هربًا من نيران حرب لم تكن تريدها. هي ابنة العاصمة بيروت التي انتقلت للعيش هناك مع زوجها، فكتب عليها التهجير.

صديقتي لم تكن تظن يوماً أنّ بيتها سيتحول إلى كومة دمار، وأنّ منزلها الذي زيّنته كما تُحب وبيت طفلتيها، وذكريات 7 سنوات، وخطوات طفلتها الأولى والجدران التي أنصتت لصوت بكاء الرضيعة الثانية، ستتلاشى!

هي لم تعلم أنّها تحب صور، وأنّها أدمنت المشي في شوارعها الملوّنة، حتى غادرتها، حتى أحسّت أنّها خسرت جزءاً من تاريخها ربما؟ أو من ماضيها؟

هي ربما، أدركت مؤخراً سبب تصميمها على البقاء ورفضها للمغادرة مع اقتراب صوت الغارات، حتى اضطرت مرغمة إلى جمع ما توفر من الثياب ووضع طفلتيها في السيارة والذهاب هرباً من الحزام الناري الإسرائيلي إلى بيروت.

في ذلك اليوم، لم تحسب أن تتحوّل إلى نازحة، فهي عائدة إلى بيروتتها، إلى منزل ذويها! إلى ذكريات ما قبل الزواج، الطفولة، المدرسة، الجامعة..

لم تحسب أنّ التهجير المعنوي مؤلم وإن كان لمسقط الرأس، فالمنزل ليس جدران، هو ذكريات. لم تحسب أنّ الزمن منذ ذاك الإثنين سيتوقّف، فلا شيء عالق في رأسها سوى أصوات الصواريخ التي طالت حيّها وبيتها ومشاهد الغارات التي رافقتها طوال “طريق النزوح” يمينًا ويسارًا لساعات طويلة.

صديقتي آلمها أيضًا انهيار سكن رفيقة أيامها في تلك المدينة الصغيرة، صديقتها العروس التي خسرت بيتها الذي أسسته لسنوات بحب وتلاشى بعد مغاردتها له بدقائق، فقذف بها التهجير نحو طرابس.

صديقتي هي واحدة من بين أكثر من مليون لبناني خسروا الماضي والحاضر والمستقبل خلال أيام. الآلاف منهم خسروا تعبهم الذي ذرفوه عرقًا تحوّل إلى دماء فخسروا أرواحًا يحبونها.

هؤلاء ليس على لسانهم سوى سؤال واحد “متى العودة؟”، عودة ستؤلمهم كثيرًا، فالبلدات سويت بالأرض والديار تحوّلت لرماد والكثير من الأبناء والأحباء انتقلت أرواحم إلى السماء.

فمتى تنجلي هذه الغيمة السوداء عن لبناننا ومتى ينتهي كابوس الحرب؟ متى يُرفع الاحتلال والوصايات عن بلدنا ليكون دولة مستقلة تفرض وجود جيشها على كافة أراضيها، ووحدها تقرر مصيرها؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us